وقالوا: من وضعَ نفسَه دون قدرِه رفعه الناسُ فوق قدره، ومن رَفعَها عن حدِّه وضعه الناس دون قَدْرِه.
وقال جعفر بن محمد: رأسُ الخيرِ التَّواضع، فقيل له: وما التواضعُ؟ فقال أنْ ترضى من المجلس بدون شرِفك، وأن تُسلِّم على مَنْ لقيت، وأنْ تترك المِراءَ وإن كنت محقّا، وأن تكرهَ الرِّياءَ والسُّمعةَ.
وقالوا: التَّواضُعُ نعمةٌ لا يَفْطِنُ لها الحاسد.
وقالوا: التواضعُ كالوَهْدةِ يجتمع فيها قطرُها وقَطْرُ غيرها.
وقال عُمر: أُريدُ رجلاً إذا كان في القوم وهو أميرهم كان كبَعْضهم، فإذا لم يكنْ أميراً فكأنّه أميرهم.
وقال رضي الله عنه حينَ نظر إلى بعض السَّراةِ مُبْتَذِلاً لأصحابه: هذا رجل يفرُّ من الشرف والشَّرفُ يَتْبَعُه.
وقد مَدحَ الشعراءُ المُتواضعينَ فَمِنْ ذلك قولُ أبي تمام:
مُتَبَذِّلٌ في القومِ وَهْوَ مُبَجَّلٌ ... مُتواضِعٌ في الحَيِّ وَهْوَ مُعَظَّمُ
وقال آخر:
مُتواضِعٌ والنُّبلُ يَحْرُسُ قَدْرَهُ ... وأخو النَّباهَةِ بالنَّباهةِ يَنْبُلُ
وقال البحتريُّ:
دَنَوْتَ تَواضُعاً وعَلَوْتَ مَجْداً ... فشَأناكَ انْحِدارٌ وارْتِفاعُ
كذاكَ الشَّمْسُ تَبْعُدُ أنْ تُسامى ... ويَدْنو الضَّوْءُ مِنْها والشُّعاعُ
وقال أبو محمد التَّيْميُّ:
تَواضَعَ لَمّا زادَه اللهُ رِفْعةً ... وكلُّ رَفيعٍ قَدْرُه مُتواضِعُ