وقال الجاحظ: من العدل المحض والإنصاف الصريح - الخالص - أن تحطَّ عن الحاسدِ نصفَ عقابه، لأنّ ألمَ جَسْمه قد كفاك مؤونةَ شَطْر غيظك؛ وللجاحظ رسالة مطوّلة في الحسد تراها في رسائله.

وقيل للحسن البصري: أيَحْسُدُ المؤمنُ أخاه؟ قال: لا أبالك، أنسيت إخوة يوسف؟ وقالوا: الحَسود غضبانُ على القدر، والقدر لا يُعْتِبه - أي لا يُزيل عتْبَه: أي لا يُرضيه - أخذ هذا المعنى منصور الفقيه فقال:

ألا قُلْ لِمَنْ باتَ لي حاسِداً ... أتَدْري عَلى مَنْ أسأتَ الأدَبْ

أسأتَ على اللهِ في فِعْلِه ... إذا أنْتَ لَمْ تَرْضَ لي ما وَهَبْ

وقال معاويةُ: كلُّ الناس يمكنني أن أرضيَه، إلا الحاسدَ الذي لا يردُّه إلى مودَّتي إلا زوالُ نعمتي. وقال المتنبي:

سِوى وَجَعِ الحُسَّادِ داوِ فإنّه ... إذا حلَّ في قلْبٍ فلَيْسَ يَحولُ

وقال آخر:

كلُّ العَداوة قدْ تُرْجى إماتتُها ... إلا عَداوةَ مَنْ عاداكَ مِنْ حَسَدِ

ويقال: إذا أرادَ اللهُ أنْ يُسلِّطَ على عبده عدوّاً لا يرحمُه سلَّط عليه حاسداً. . . . . وقال العُتْبيُّ - وذكر وُلْدُ، الذين ماتوا -:

وحتّى بَكى ليَ حُسَّادُهُمْ ... وقَدْ أتْرَعوا بِالدُّموعِ العُيونا

وحَسْبُكَ مِنْ حادِثٍ بامْرئٍ ... يَرى حاسِديهِ لهُ راحِمينا

وقالوا: مَنْ دعتْهُ نفسُه إلى ترك الدنيا فلينظر: هل يَحْسُدُ أحداً، فإنْ حسد كان تركُه عجزاً، لأنه لو زهد فيها ما حَسَدَ عليها. وقال البحتريّ:

مُسْتريحُ الأحْشاءِ مِنْ كُلِّ ضِغْنٍ ... بارِدُ الصَّدْرِ مِنْ غَليلِ الحَسودِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015