أقول: كان عروةُ هذا من قوّة الإيمان والتسليم

والرَّضا بالقدر خيرِه وشرِّه ورجَحان العقلِ، بحيث يعدُّ مثلاً أعلى للصَّبر والتسلّي، وذلك أنّه وَفَدَ من المدينة على الوليد بن عبد الملك بدمشق - عاصمة الأمويين - وكان معه ابنُه محمّد - وكان من أجمل الناس، فيقال: إن الوليدَ عانَه - أصابَه بعينِه - فدخل محمد دارَ الدّواب، فضربتْه دابّةٌ فخَرَّ ميِّتاً، ووقعت في رجلِ عُروةَ الأكِلَة - داءٌ في العضو يأتَكِلُ منه - ولم يَدَعْ وِرْدَه تلك الليلة، فقال له الوليد: اقْطَعْها وإلا أفْسَدَت عليك جسدَك، فلما دُعِيَ الجزّارُ ليقطعَها قال له: نسقيك الخمرَ حتّى لا تجدَ لذلك ألَماً، فقال: لا أستعينُ بحرامِ اللهِ على ما أرْجو من عافيتِه، قالوا: نسقيك المُرْقِدَ دواءٌ يرقد شاربَه كالأفيون قال: ما أحبُّ أن أسلَبَ عُضواً من أعضائي وأنا لا أجدُ ألمَ ذلك فأحتسبه أحتسبه: أطلبُ به الأجرَ. ودخل عليه قومٌ أنكرهم فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يُمسكونَك فإنَّ الألمَ ربّما يَعْزُبُ معه الصبر يعزب: يبعد قال: أرجو أن أكفيَكم ذلك من نفسي، فقُطِعَتْ كعبُه بالسكّين، حتّى إذا بلغ العظمَ وُضِعَ عليها المنشارُ، فقُطِعَتْ وهو يهلِّل ويكبّر يهلل: يقول: لا إله إلا الله، ويكبّر: يقول: الله أكبر ثمّ إنّه أغليَ له الزيتُ في مَغارفِ الحديد، فحُسِمَ به، فغشِيَ عليه، فأفاقَ وهو يمسح العرقَ عن وجْهِه، ولمّا رأى القدمَ بأيديهم دعا بها فقلَّبها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015