في أمره قال لهم ممسكُه! إنّه أفلت، فطردوه - أي تبعوا خِراشاً - فأعياهم، فلما وصل خِراش إلى أبيه وخبّره بما جرى على عروةَ وبما اتفق من صاحبه في بابه، اقتصَّ قصَّته في هذه الأبيات. . . وقُوسى اسمُ مكان، وقوله: على أنّها تعفو الكلوم. . . البيت فإنَّ هذا يجري مَجْرى الاعتذارِ منه والاستدراك على نفسه فيما أطلقه من قوله: لا أنسى قتيلاً رُزِئْته ما مشيت على الأرض أي مدّة حياتي؛ والضمير في أنها: للقصة، وخبر أن: الجملة بعدها؛ والعَفاء: الدّروس والذهاب؛ والكلوم جمع كَلم، ويعني به: الحَزَّ عند ابتداء الفجيعة، وجلّ: عظم؛ يقول: لا أنساه ولو طال عهدُه وعفَت آثاره؛ وإنما قال هذا لأن الإنسان يوكَّل بالجزع للمصيبة القريبة العهد؛ فأمّا المتقادمُ من الأرزاءِ فإن مضيَّ الزمن يُعْفيه. وقوله: ولم أدرِ. . . البيت؛ قال الأصمعيُّ وأبو عبيدةَ لا نعرف من مدحَ مَنْ لا يعرفه غيرَ أبي خراش.

التأسّي بِمَنْ مصابُه كمُصاب المُصاب أو يُربي عليه

وقولهم في عكس ذلك

أمّا قولُهم في عكس ذلك فأحسنُ ما قيل فيه قولُ ابنِ الرّومي:

لَيْسَ تأْسُو كُلُومُ غيري كُلُومي ... ما بِهِ ما بِهِ وما بِيَ ما بي

تأسو: تداوي، والكُلوم: الجروح وقبل هذا البيت - وهي أبيات يندب بها الشبابَ -:

يا شَبابي! وأينَ مِنِّي شَبابي؟ ... آذَنَتْني حِبالُه بانْقِضابِ

لهْفَ نَفْسي على نَعيمي ولَهْوي ... تَحْتَ أفْنانِه اللِّدانِ الرِّطابِ

ومُعَزٍّ عَنِ الشّبابِ مُؤَسٍّ ... بمَشيبِ اللِّدَاتِ والأتْرابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015