بسوء خوفا من نقمة الوثنيين الذين يدافعون عن كل حيوان ويمنحونه حمايتهم ورعايتهم مخافة أن يكون أحد أجدادهم قد تقمص جسمه، ولذلك لا يستطيع أحد أن يظهر لحم الحيوان، لأن الهنادك لا يستطيعون رؤيته، ومن أجل ذلك صارت المجزرة في بلدانهم يحيط بها سور، ولكل باب من أبوابها دهليز طويل حتى لا تقع عين هندكي على لحم يقطع أو يباع.

ومما يتصل بهذا ويحسن ذكره هنا عبادتهم للبقرة وتقديسهم لها فمتى بلغهم ولو كذبا أن المسلمين أو النصارى ذبحوا بقرة أعلنوا عليهم الحرب، وأزهقت بسبب ذلك نفوس كثيرة، والبقرة تشعر بذلك فتراها لا تسير إلا في الرصيف، ولا تسير في قارعة الطريق كسائر الحيوان، ومتى مرت بصاحب دكان وقفت ونظرت إليه، فإن كان وثنيا خرج إليها وقدم الحلوى وقبّلها وتمسح بها، ومن عادة المتمسكين بالدين عندهم أنهم يخلطون خثي البقرة بتراب مقدس عندهم ويضعونه خطا على جباههم للتبرك والحفظ، أخبرني بذلك المسلمون حين سألتهم عن تلك الخطوط التي كنت أراها على جباه المشركين، وهذه العقيدة ليست قديمة جدا عند الوثنيين من أهل الهند، فقد ثبت في التاريخ أن راما وهو أعظم آلهتهم كان ملكا وكان يصيد الحيوان، وقد بلغ من تعظيمهم لرام أنهم جعلوا اسمه تحية، فمتى التقى اثنان منهم يرمرم كل واحد منهما للآخر بقوله (رام) فيحييه الآخر بمثل ذلك.

وكان أبو العلاء المعري على هذه العقيدة، فإنه لم يأكل اللحم أربعين سنة، وزعم أن ذبح الحيوان وأكل لحمه وبيضه وشرب لبنه كل ذلك عدوان وظلم، وهذا يدل على جهله بالسنن الكونية، وذلك أن الله جلت قدرته وبلغت حكمته جعل استمداد الحياة من الحياة، فجعل غذاء الحيوان من الحيوان ومن النبات في البر والبحر ولن تجد لسنة الله تبديلا، وكل ما يأكله ويشربه الإنسان والحيوان مملوء بأنواع الحيوان من الجراثيم التي لا ترى بالبصر، فكل حيوان آكل ومأكول، والإنسان الذي هو أشرف الحيوان يأكله الدود، وهو من أحقر الحيوان، وليس في قدرة الإنسان أن يمتنع من استهلاك الحيوان، فتورع أبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015