فأهويت بيدي لألمس ذلك الزبيب، وقبل أن تصل يدي إليه جذبت من خلفي جذبة قوية حتى سقطت على ظهري، فقمت وسألت الطالب الذي كان يرافقني من جذبني؟ فقال لي: أنا جذبتك خوفا عليك من أن تقع في مشكلة عويصة يعسر عليك حلها، انظر إلى صاحب الحانوت فهو غضبان يصيح ويشتم، ولو وقعت يدك عليه لألزمك بثمنه كله، وكنت مرة في مدينة بمبي وهي مدينة مشهورة بناحية كجرات، وكان الوقت ليلا فرأيت قلة منتصبة فلمستها بيدي فغضب صاحبها وصاح صياحا كثيرا ورأيته أخذ القلة وصب الماء الذي كان فيها مع أني لم ألمس إلا جانبها، ولا أدري هل كسرها أو انتفع بها بعد غسلها، ومما يدل على الأول أن المتصدقين بالماء البارد من الهنادك في محطات السكة الحديدية يعدون آنية صغيرة بقدر ما يشرب الشخص الواحد من الخزف ويصبون الماء فيها لكل من يحتاج إليه من غير أهل طبقتهم، ومن شرب في إناء منها إن شاء أخذه، وإن لم يرده ألقاه لأن ذلك الهندكي لا يمسه بعد ذلك، فإن انقضت تلك الأواني وجاءه شخص من غير أهل طبقته يصب له الماء في يديه، هذا كله مع الطبقات المتنجسات تنجسا خفيفا من إخوانهم الهنادك أو من المسلمين والنصارى، وأما الطبقة المنبوذة فأمرها أدهى وأمر، فلا يجوز لأهلها أن يسكنوا في مدينة ولا قرية، وإنما يتخذون أكواخا بعيدة من المدن ويسكنون فيها ويحفرون آبارا يشربون منها وإن كان بقربهم نهر عظيم تسير فيه السفن، لأنهم لا يسمح لهم بأخذ الماء منه لئلا يتنجس، وبحكم هذه العزلة والاستقذار الذي حكمت به الآلهة بزعمهم لا يجد المنبوذون عملا، مع أن عددهم ثمانون مليونا، فإن قلت وبما يعيشون؟ فالجواب أنهم يعيشون بنقل النجاسات من بيوت الخلاء في جوف الليل، ويخرجونها إلى مكان بعيد من المدينة فيحرقونها ويأخذون أجورا على ذلك يأتيهم بها شخص في كل شهر فيعطيهم إياها، ولعل القراء الكرام لا يعلمون أن أهل الهند حتى في المدن الكبيرة ليس عندهم مراحيض إلا في النادر، فترى الديار الكبيرة الجميلة من بيوت الأغنياء المترفين فإذا سألت عن بيت الخلاء يدلونك على مكان قد بني فيه شبه الكوانين التي توقد فيها النار، وفي كل واحد منها إناء عليه غطاء يكشفه ويتخلى فيه ثم يغطيه، ولهذا