وحكى أبو حامد الغزالي عن ابن الكريتي أنه قال: نزلت في محلة فعرفت فيها بالصلاح فنشب في قلبي أي شعرت بأنني من الصالحين الذين يستحقون التعظيم، فدخلت الحمام فرأيت ثيابا فاخرة فسرقتها ولبستها ثم لبست مرقعتي وخرجت فجعلت أمشي قليلا قليلا، فنزعوا مرقعتي وأخذوا الثياب وصفعوني، فصرت بعد ذلك أعرف بلص الحمّام فسكنت نفسي، قال أبو حامد: فهكذا كانوا يرضون أنفسهم حتى يخلصهم الله من النظر إلى الخلق ثم من النظر إلى النفس وأرباب الأحوال، وربما عالجوا أنفسهم بما لا يفتي به الفقيه مهما رأوا إصلاح قلوبهم، ثم يتداركون ما فرط منهم من صورة التقصير كما فعل هذا في الحمّام.
قال الحافظ ابن الجوزي بعد ذكر هذه الحكاية: سبحان من أخرج أبا حامد من دائرة الفقه بتصنيفه كتاب الإحياء فليته لم يحك فيه مثل هذا الذي لا يحل، والعجب منه أنه يحكيه ويستحسنه ويسمي أصحابه أرباب أحوال، وأي حالة أقبح وأشد من حال من يخالف الشرع ويرى المصلحة في مخالفته، وكيف يجوز أن يطلب صلاح القلوب بفعل المعاصي وقد عدم في الشريعة ما يصلح به قلبه حتى يستعمل ما لا يحل فيها، وهذا من جنس ما تفعله الأمراء الجهلة من قطع من لا يجب قطعه وقتل من لا يجوز قتله ويسمونه سياسة، ومضمون ذلك أن الشريعة ما تفي بالسياسة، وكيف يحل للمسلم أن يعرض نفسه لأن يقال له سارق، وهل يجوز أن يقصد وهن دينه ونحو ذلك عند شهداء الله في الأرض، ولو أن رجلا وقف مع امراته في طريق يكلمها ويلمسها ليقول فيه من لا يعلم هذا فاسق لكان عاصيا بذلك، ثم في مذهب أحمد والشافعي أن من سرق من الحمّام ثيابا عليها حافظ وجب قطع يده، كلا والله إن لنا شريعة لو رام