وكان الذي شهر وفاء الحارث بن ظالم أنه لما قتل خالد بن جعفر في جوار الأسود بن المنذر اللخمي طلبه فهرب فدل الأسود على جارات الحارث من بلي، وقيل له: إنك لا تصيبه بشيء هو أشد عليه منهن إذ فاتك، فاستاقهن وأموالهن، فبلغ ذلك الحارث فكر من وجهه حتى سأل عنهن ومرعى إبلهن فدل عليهن فأتى الحارث موضعهن فإذا ناقة لهن يقال لها: اللفاع كانت غزيرة يحلبها حالبان فلما رآها قال:
إذا سمعت حنة اللفاع ... فادعى أبا ليلى ولن تراعى
ذلك راعيك فنعم الراعي ... يجبك رحب الباع والذراع
منصلتاً بصارم قطاع
وقال:
أنا أبو ليلى وسيفى المعلوب ... هل يمنعن ذودك ضرب تشذيب
فعرف البائن كلامه فحبق يعنى ضرط، فقال: است البائن أعلم والبائن: الذي يقوم من الشق الأيمن - فذهبت مثلاً: خليا عنها، فخليا عنها، فجمع أموال جاراته فردها عليهن واستنقذهن وأموالهن، ثم انطلق فأخذ شيئاً من جهاز رحل سنان بن حارثة المري فأتى به أخته سلمى بنت ظالم ويقال سلمى امرأة من بني أسد وكانت عند سنان، وقد تبنت ابن الأسود فقال: هذا علامة بعلك فصنعى ابنك حتى آتيه ففعلت فأخذه فقتله لما فعل بجاراته. ففي ذلك يقول الحارث بن ظالم:
قفا فاسمعا أخبركما إذ سألتما ... محارب مولاه وثكلان نادم
أخصيي حمار بات يكدم نجمة ... أتوكل جاراتى وجارك سالم
فإن تك أذواد أصبن وصبية ... فإن ابن سلمى رأسه متفاقم
علوت بذي الحيات مفرق رأسه ... وكان سلامى تحتويه الجماجم
فتكت به كما فتكت بخالد ... وهل يركب المكروه إلا الأكارم
وكان الذي شهر وفاء عمير أن رجلاً من السواقط، - وكان السواقط من قبائل شتى - وسموا سواقط: لأنهم كانوا يأتون اليمامة في الأشهر الحرم للتمر والزرع، فإذا أدرك قضوا منه حاجتهم ثم رجعوا إلى بلدانهم، وإن لم يكن أدرك أقاموا حتى يدرك، أو حتى تدخل الحرم وكان مرارة بن سلمى يجيرهم وكان الرجل منهم يأتى الرجل من أهل اليمامة فيقول له: أجرني إلى أن أشخص فيجيره ويكتب له على سهم: فلان جار فلان، ويدفعه إليه، فينصرف حيث شاء من اليمامة لا يعرض له أحد منهم، وكانوا يدعون السواقط فأراد النعمان بن المنذر أن يجليهم عنها، وبعث في ذلك فمنعهم مرارة بن سلمى بن زيد بن عبيد بن ثعلبة ابن يربوع من بني الدؤل بن حنيفة بن مجاعة بن مرارة فقال: أوس بن حجر يحض النعمان عليه:
زعم ابن سلمى مرارة أنه ... مولى السواقط دون آل المنذر
منع اليمامة حزنها وسهولها ... من كان ذا تاج رفيع المنخر
فكان رجل من السواقط من بني نفيل بن عمرو أتى قائد الجرباء: وهي الكتيبة عمير بن سلمى بن عمرو بن مجمع بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة فقال: أجرني فأجاره، وكتب له على سهم: فلان جار عمير، وكان مع الكلابي أخ له جميل فقال: قرين بن سلمى له وهو أخو عمير لا تقربن أبيات نسائنا، فوجده ذات يوم يتحدث إلى امرأته فرماه بسهم فأصماه.