فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً ... في رأس غمدان داراً منك محلالا
قصر بناه أبوك القيل ذو يزن ... ما إن رأينا له في الأرض أشكالا
منطعاً بالرخام المستزاد له ... في كل ركن رأينا منه تمثالا
ثم أظلل الملء إذ شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا
تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيباً بماء فعادا بعد أبوالا
أما بيهس فإن أقواما أربعة غزوا فأتوا على إخواته وأهل بيته وأسروه، فلما نزلوا بعض المنازل راجعين نحروا جزوراً فأكلوا وقالوا: ظللوا البقية فقال بيهس: لكن بثباً لحم لا يلظلل وثبا: موضع، فذهب مثلا، يعني أجساد من قتل من إخوته وقومه، فلطمه بعضهم وجعل يدخل رجله في يدي سرباله فقال بعضهم: لا تلبس هذا اللبس وعلمه كيف يلبس؟ وكانوا يرون أن به طوفة فقال: ألبس لكل دهر لبوسه فلطمه بعضهم، فقال بيهس: لو نكلت عن الأولى لم تعد الثانية. فقال بعضهم: إن مجنون بني فزارة ليتعرض للقتل فخلو عنه فلما أتى أهله جعل نساؤه يتحفنه، فقال: يا حبذا التراث لولا الذلة فاجتمع عليه الغم مع ما به من قلة العقل، وجعلت أمه تعاتبه فيشد عليه ذلك منها، فقالت: لو كان فيك خير لقتلت مع أهل بيتك، قال: لو كان الخيار إليك لاخترت فجمع جمعا وغزا القوم ومعه خال له فوجدوهم في حفرة من الأرض فرماه خاله عليهم، وكان جسيماً طويلاً وإنما سمى نعامة لذلك، فقاتل القوم وهو يقول: مكره أخوك لا بطل فقتل القوم فأدرك بثأره. فقال المتلمس يضرب به المثل لقومه:
ومن حذر الأيام ماحز أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس
ويروي: ومن طلب الأوتار ورام الموت:
نعامة لما صرع القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس
وأما قصير فإن جذيمة الأبرش طمع أن يتزوج زباء الرومية فتشاور فاتفقوا له على أني فعل ونهاه قصير، فخطبها فأجابته فلما أراد أن يهديها بعثت إليه أن ائتني فنهاه قصير قال: إن النساء يهدين إلى الأزواج فعصاه وأقبل، فلما كان ببقة عاوده المشاورة فقال له: قد دنوت فامض إليها، ونهاه قصير فأبى، فلما دنا قال له: إنك عصيتني فإن تلقاك أهلها فرجعوا عنك فقد كذب ظني، وإن أقماموا ولم يرجعوا فإني معرض لك العصا، فرس كانت لجذيمة لا تجارى فجعلوا يتلقونه ولا يرجعون، فعرض له العصا فلم ينته فقال قصير: ببقة قضى الأمر فدخل عليها فأبرزت جهازها وقالت بكلامها، أذات عروس ترى؟ أما أنه ليس ساعون مواسى ولكنه شيمة ما أناس فقطعت راهشيه فنزفه الدم فمات.
ورجع فصير إلى عمرو بن جذيمة أو ابن أخته، فقال: حز أنفس وأظهر التهمة لي ففعل فلحق بزباء، فقال: لقد لقيت هذا فيك فوقعت له منها منزلة فزين لها تجارة عيرا فأعطته مالاً لذلك، فكر كرتين، يزيده عمرو في السر مالاً فإذا رجع قال: هذا رمحي لك ثم هيأ مسوحاً كالمسوح التي يحمل فيها الجص وهيأ الرجال وخرج بعمرو وقال: إن لها نفقاً إذا خافت خرجت منه ووصفه له فاقعد، فإذا مرت بك فاضربها، وكانت إذا دنت عيرها أشرفت فلما دنا وقد أقام الرجال في المسوح مستلئمين في أيديهم أوكية، أشرفت فقالت: إن العير لتحمل صخراً أو تطأ في وحل يا قصير، فصنع لها رجزاً على هذا المعنى:
ما للجمال مشيها وئيداً
أجندلاً يحملن أم حديدا
أم صرفاناً بارداً شديدا
أم الرجال قبضاً قعودا
فحلوا الأوكية فإذا هم قيام على أرجلهم فعرفت الشر فاستغاثت بالنفق، فضربها عمرو فقتلها وزعم قوم أنها مصت خاتمها وقالت: بيدي لا بيد عمرو وكانت لا تكلم بالعربية إلا أن يكون فسر، ففي ذلك يقول عدي بن زيد العبادي:
دعا بالبقة الأمراء يوماً ... جذيمة عصر ينجوهم ثبينا
فلم ير غير ما ائتمروا سواه ... فشد لرحله السفر الوضينا
فطاوع أمرهم وعصى قصيراً ... وكان يقول لو نفع اليقينا
لخطيبتي التي غدرت وخانت ... وهن ذوات عائلة لحينا
فدست في صحيفتها إليه ... ليملك بضعها ولأن تدينا
فأردته ورغب النفس يردى ... ويبدي للفتى الحين المبينا