فذكر علي بن محمد بن أبي سيف المدائني، عن رجاله، قال: اشترى عبد الله بن عباس بالمدينة أمة صفراء بربرية، فولدت في منزل عبد الله غلاماً، فسماه سليطاً، ونشأ في منزله، فخرج جلداً ظريفاً. ثم شخص مع علي بن عبد الله إلى الشام، فلم يزل في خدمته حتى مات عبد الملك، وولي الوليد ابنه، فأظهر التحامل على علي بن عبد الله، وعيبه بحضرة الناس، وسعى قوم من حسدة علي وأهل البغي، فأفسدوا سليطاً وزينوا له ادعاء ولادة عبد الله بن عباس، وقالوا: أنت شبيهه في جمالك وهيئتك. فادعى سليط أنه ابن عبد الله بن عباس وخاصم علياً إلى الوليد. فأمر الوليد برفعهما إلى قاضي دمشق، فأحضر سليط قوماً شهدوا له على نسبه، وانهى ذلك إلى الوليد، فألحقه بعبد الله بن عباس. فخاصم علياً في الميراث وطالت منازعته إياه حتى قاربه علي وصيره في عياله. فكان يقوم لعلي بحوائجه وأموره. فخرج علي يوماً إلى جنينته بدير البخت، وكان له فيها قوم يعملون، منهم أبو الدن، من ولد أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه، فوقعت بينهم وبين سليط مشاجرة، فوثبوا عليه فقتلوه، بعد أن انصرف علي بن عبد الله إلى دمشق واحتفروا له حفيرة بالجنينة فواروه فيها. فاحتبس سليط على أمه، فاسترابت، فخرجت في طلبه فخبرت أنه دخل الجنينة ولم يخرج منها. فأتت باب الوليد صارخة، فقال: من تتهمين؟ قالت علي بن عبد الله. فقال: أحضريني من يشهد على دخوله معه الجنينة. فأحضرت شهوداً على ذلك. فأرسل إليه الوليد إلى الجنينة ينظرون هل يرون شيئاً أو أثراً. فأثاروا منها عدة مواضع، فلم يروا شيئاً. فقال لهم أكار كان في الجنينة: أمخروا عليها الماء حتى يتبين لكم. فمخروها فانخسف الموضع، فأثاروه، فاستخرجوا سليطاً. فبعث الوليد إلى علي فعنفه وأغلظ له، وقال: والله، لئن صح عندي أنك قتلته لأقتلنك به! فحلف أنه ما قتله ولا أمر بقتله. فحبسه الوليد. وكتب إلى أمراء الأمصار وفقهائهم بقصته وما أتهم به وما شهد عليه. فكتب إليه عمر بن عبد العزيز من المدينة: بأن يضرب ويلبس جبة صوف ويطاف به. فدعا الوليد بعلي بن عبد الله، فضربه أحداً وستين سوطاً، ويقال مائة، ثم أطافه، وأقامه في الشمس، وألبسه جبة شعر، وصب على رأسه ماء فبلغ ذلك عباد بن زياد، وكان صديقاً لعلي بن عبد الله، وكان أثيراً عن الوليد. فجاء، فألقى ثيابه على علي، ودخل إليه فكلمه فيه وقال: يا أمير المؤمنين، علي يتهم بالقتل؟ علي أتقى لله وأفضل من أن يقتل أحداً! فأمر به الوليد، فسير إلى دهلك. فلما أخرج عن دمشق، تكلم فيه سليمان بن عبد الملك وقال: يا أمير المؤمنين، رده واحتبسه! فعبث رسولاً، فحبسه حيث أدركه. وكان أدرك بالفرعاء، فحبس هناك في قرية منها حتى مات الوليد وولي سليمان، فرده. فنزل الحميمة بالشراة من البلقاء، وباع على بستانه بدير البخت من فاطمة بنت عبد الملك.
قال: وكان عبد الملك عند وفاته، وصى الوليد بثلاثة نفر: قال له: علي بن عبد الله في نسبه وقرابته وانقطاعه إلينا: أكرمه واعرف حقه. وأخوك عبد الله: أقره على مصر ولا تعزله عنها. وعمك محمد بن مروان: أقره على الجزيرة واعرف له موضعه. فأول ما بدأ بأخيه: عزله عن مصر بقرة بن شريك. وعزل عمه عن الجزيرة. وضرب علياً بالسوط مرتين! وكانت بنو العباس لما ولوا الأمر، وجدوا في خزائن بني مروان كتاباً من سليمان بن عبد الملك إلى الوليد، يسأله في علي بن عبد الله ويعرفه حقه، فكان هذا الكتاب سبباً لترك سليمان في قبره بدابق، ولم ينبشوا عنه كما نبشوا عن اخوته وبني حرب.