وكان مهلهل، من المطبوعين في الشعر، والمنهمكين في الخلاعة واللعب والتطرح في مواطن اللهو والطرب، ملازماً للحانات والديارات. ونحن نورد من شعره ما يليق بكتابنا هذا.
فمن مليح شعره في وصف الرياض والحث على الشرب، قوله:
لجون الهوى وهبت جناني ... فدعاني، يا أيها العاذلان
طربي زائد ففي حرّ من قد ... لامني في خلاعة أو نهاني
قد أبانت لي الرياض من الزه ... ر غريب الصنوف والألوان
وبدا النرجس المفتح يرنو ... من جفون الكافور بالزعفران
كعيونٍ قد حدّقت باهتاتٍ ... ناظراتٍ إلى وجوهٍ حسان
ينثنى زبرجد القضب منه ... طرباً للّجين والعقيان
وقف الطلّ في المحاجر منها ... ثم مات فانهلّ مثل الجمان
يا غلام اسقني فقد ضحك الو ... قت وقد تمّ طيب هذا الزمان
أدن مني الدنان، صف الأباريق، استحث الكؤوس، صف القناني بادر الوقت واغتنم فرص العيش ولا تكذبن فالعمر فاني ومن مليح شعره في هذا المعنى، قوله:
زمان الرياض زمانٌ أنيق ... وعيش الخلاعة عيشٌ رقيق
وقد جمع الوقت حاليهما ... فمن ذا يفيق ومن يستفيق
أيا من هو السّؤل لي والمنى ... ومن هو بالحبّ مني حقيق
أدر لحظ عينك أمرجه في ... مروج الرياض فكلٌّ يروق
فقاعٌ نثير وماءٌ نمير ... وروضٌ نضيرٌ وزهرٌ أنيق
له نسخٌ حّررت فاستنارت ... فخطٌّ جليل ومعنىً دقيق
يضاحك وجهك وجهٌ عشيق ... ويلقى مشمك مسكٌ فتيق
إذا ضاحك الزهر زهر الرياض ... فكيف الخلاص وأين الطريق
بهارٌ بهرت به غيره ... على نرجس وشقيق شفيق
فذا عاشقٌ وجلٌ خائفٌ ... وذا خجلٌ وكذاك العشيق
تروقك منه عيون تروق ... بألحاظها وخدود تشوق
مدان يحملن طل النّدى ... فهاتيك تبرٌ وهذي عقيق
تضمّن أوراقها درّه ... وينثر منه الذي لا يطيق
يميل النسيم بأغصانها ... فبعضٌ نشاوى وبعض مفيق
فبادر بنا حادثات الزمان ... فوجه الحوادث وجهٌ صفيق
ومن مليح شعره، قوله:
أعد شربك الكأس فيما تعيد ... وساعد فقد شملتنا السعود
وحثّ الصبوح لضوء الصباح ... فإن الحوادث عنا رقود
أما نشكر الفعل من يومنا ... ونبهى بما نحن فيه خلود
سماءٌ تجود وروض نضيد ... وزهر جديدٌ وغصن يميد
وندٌّ يفوح وراح تريح ... وساقٍ مليحٌ وناي وعود
وصوت يشوق وزمر رفيق ... وعيش أنيق وجدٌّ سعيد
أدام الاله لنا عيشنا ... ولا نال منّا مناه الحسود
وقال في هذا المعنى، وتغني فيه:
قد قدمت للسرور أثقال ... وحثّ شهر الصيام شوال
وأقبل الغيم لابساً حللاً ... مسكية ما لهنّ أذيال
ودبّج الأرض روضها فغدا ... ينشر فيها والأرض تختال
واهتز عودٌ وحنّ من طربٍ ... نايٌ وعبّت بالراح أرطال
وبوعد الخوف من محاذرةٍ ... وقربت للقلوب آمال
أيامنا في الحياة عارية ... تحثها للفناء آجال
فاغتنموا فرصة الزمان ولا ... تفرّطوا فالزمان مغتال
ومما ملح فيه، قوله:
زمن كالشباب أو كالتراضي ... بعد طول الصدود والاعراض
ألقح الغيث كل أرضٍ فأضحت ... في ولادٍ وبعضها في مخاض
يا غلام اسقني فقد ضحك العي ... ش إلينا وهش بعد انقباض
وأرى لؤلؤ الحباب يباري ... لؤلؤ الطلّ فوق زهر الرياض
وقال أيضاً:
استودع الله من لم يزر عن نظري ... لما مضى خاطراً والردف يجذبه