وكابدنا السُّرى شوقاً إليه ... فوافينا الصباح مع الصباح
نزلنا منزلاً حسناً أنيقاً ... بما نهواه معمور النواحي
قسمنا الوقت فيه لاغتباق ... على الوجه المليح ولاصطباح
وظللنا بين ريحانٍ وراح ... وأوتار تساعدنا فصاح
وساعفنا الزمان بما أردنا ... فأبنا بالفلاح وبالنجاح
وكان هذا اللبادي يكنى أبا بكر أحمد بن محمد، من طياب الناس وملاحهم، وذوي المجانة والخلاعة. وسمي اللبادي، لأنه كان يلبس أبداً على ثيابه لباداً أحمر.
ذكر أبو علي الأوارجي، أنه كان يتقلد أردبيل. قال: فقسطت في وقت من الأوقات عشرين ألف دينار بالعدل فيهم على قدر أحوالهم. فكان في من لحقه التقسيط اللبادي هذا. فكتب باسمه عشرون ديناراً. قال: فبينا أنا جالس في الديوان استخرج، إذ دخل على رجل قد طين وجهه بطين أحمر، وعليه لباد أحمر وعمامة حمراء وبيده عكاز أحمر وفي رجليه خفان أحمران. فسلم ووقف، وبدأ ينشد في قصيدة عملها، وقال فيها:
لئن كان الأمير به افتقارٌ ... إلى الشعراء في كرم النصاب
لقد أودت به الأيام حتى ... لقد رام العراق من الكلاب
فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو بكر اللبادي الشاعر. فرفعته ثم سألته عن قصيدته في أحمد بن الحسن الماذرائي وخبره معه. فقال لي: قصدته، فوجدته سائراً نحو قزوين، فوقفت له على طريقه خلف حجر، بهذا الزي الذي تراه عليّ. فلما أن دنا مني خرجت إليه. فقلت: كما ترى صيرني. فقال: ماذا؟ فقلت:
........... ... قطعي قفار الدّمن
أقطعها طوراً وطو ... راً بالسرى تقطعني
أسري على سبّاقة ... في سيرها لم تخن
لا تعرف الذلّ ولا ... قيدت بثني الرسن
أسعى بها معتسفاً ... إليك يا ابن الحسن
مستعدياً فأعدني ... على صروف الزمن
فقد، وربّ الرّكن ... أوهى لي مشيي ركني
كم جرعة جرّعني ... وغصةٍ غصّصني
كأنما يطلبني ... في مرّه بالاحن
فالحمد لله الذي ... أدال من دهري الدّني
يا ذا الذي منه ثما ... ر الجود يجني المجتني
جودك من أعلى الذرى ... يدعو بصوتٍ معلن
حيّ على ابن الحسن ... حي على البدر السني
حي على من جوده ... كصوب ماء المزن
فجئت أسعى والذي ... من عرشه وفّقني
لحبّ آل المصطفى ... وحبهم أنقذني
دونكها قوافياً ... أجلت فيها فطني
لبسكها أحسن من ... لبس نسيج عدني
قال: فأمر لي بعشرة آلاف درهم، وحملني على دابة بسرجه ولجامه. قال أبو علي: فوقعت إلى المستخرج بإعطائه براءة بما قسط عليه، فأخذ البراءة وشكرني وانصرف.
ومدح اللبادي أبا القاسم يوسف بن ديوداذ بن أبي الساج، فصار إلى داره، فلما دخل الدهليز، قال له الحاجب، وأنكر زيه ولباده: أي شيء أنت؟ قال: شاعر، وقد مدحت الأمير. فقال لبعض من بين يديه: زبطره! فزبطره، وانصرف، وكتب إلى أبي بكر محمد بن أحمد كاتب الأفشين:
مدحت الأمير أبا قاسم ... ونفسي لجدواه مستنظره
بمدح كوشي رياض الربيع ... غلّسه الطلّ إذ باكره
وقالوا: همام جزيل البناء ... جزيل الأيادي ولما أره
فلما انتهيت إلى داره ... جزيت على مدحه زبطره
فأنكرت جائزتي منهم ... وكانت، لعمر أبي، منكره
وأمكنت نفسي من الحادثات ... وأيقنت أني صريع الشره
فبكّ على الشعر والمكرما ... ت وناد بهنّ من المقبره
فقد أسخن الله عين امرىء ... يقال له اليوم ما أشعره
فهل، يا محمد، من نائل ... يبل اللهاة أو الحنجره
فمن يفعل الخير خيراً يره ... ومن يفعل الشر شراً يره