ومن المغنيات: عريب، بدعة جاريتها، سراب، شارية وجواريها، ندمان، منعم، نجلة، تركية، فريدة، عرفان.
قال إبراهيم بن المدبر: لما طهر المعتز، اجتمع مشايخ الكتاب بين يدي المتوكل. وكان فيهم يحيى بن خاقان وابنه عبيد الله إذ ذاك الوزير وهو واقف موقف الخدم بقباء ومنطقة. وكان يحيى لا يشرب النبيذ. فقال المتوكل لعبيد الله: خذ قدحاً من تلك الأقداح واصبب فيه نبيذاً وصير على كتفك منديلاً وامض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه. قال: ففعل. فرفع يحيى رأسه إلى ابنه، فقال المتوكل: يا يحيى، لا ترده. قال: لا يا أمير المؤمنين، ثم شربه وقال: قد جلت نعمتك عندنا يا أمير المؤمنين، فهنأك الله النعمة ولا سلبنا ما أنعم به علينا منك. فقال: يا يحيى، إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة في طهور ولي عهد! وقال إبراهيم بن العباس: سألت أبا حرملة المزين في هذا اليوم، فقلت: كم حصل لك إلى أن وضع الطعام؟ فقال: نيف وثمانون ألف دينار، سوى الصياغات والخواتيم والجواهر العتيدات.
قال: وأقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام، ثم أصعد إلى قصره الجعفري. وتقدم بإحضار إبراهيم بن العباس، وأمره أن يعمل له عملاً بما أنفق في هذا الاعذار، ويعرضه عليه. ففعل ذلك. فاشتمل العمل على ستة وثمانين ألف ألف درهم.
وكان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن سهل في عرس ابنته بوران، حتى أرخ ذلك في الكتب، وسميت دعوة الاسلام. ثم أتى من دعوة المتوكل ما أنسى ذلك.
وكانت الدعوات المشهورة في الاسلام، ثلاثاً لم يكن مثلها. فمنها: دعوة المعتز هذه المذكورة. ومنها عرس زبيدة بن جعفر بن أبي جعفر. فإن المهدي، زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه، فاستعد لها ما لم يستعد لامرأة قبلها من الآلة وصناديق الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة. وأعطاها بدنة عبدة ابنة عبد الله بن يزيد بن معاوية امرأة هشام، ولم ير في الاسلام مثلها ومثل الحب الذي كان فيها. وكان في ظهرها وصدرها خطان ياقوت أحمر وباقيها من الدر الكبار الذي ليس مثله. ودخل بها الرشيد في المحرم سنة خمس وستين ومائة، في قصره المعروف بالخلد. وحشر الناس من الآفاق وفرق فيهم من الأموال أمر عظيم. فكانت الدنانير تجعل في جامات فضة، والدراهم في جامعات ذهب، ونوافج المسك وجماجم العنبر والغالية في بواطي زجاج، ويفرق ذلك على الناس، ويخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة، وأوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار الذهب. وأحضر نساء بني هاشم، وكان يدفع إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم وصينية كبيرة وفضة فيها طيب، ويخلع عليها خلعة وشي مثقل. فلم ير في الاسلام مثلها. وبلغت النفقة في هذا العرس من بيت مال الخاصة، سوى ما أنفقه الرشيد من ماله، خمسين ألف ألف درهم.
واسم زبيدة أمة العزيز. وزبيدة لقب. وكان أبو جعفر يرقصها وهي صغيرة، وكانت سمينة، ويقول: ما أنت إلا زبيدة، ما أنت إلا زبيدة. فمضى عليها هذا الاسم.
ومنها عرس المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل، بفم الصلح. وكانت النفقة عليه أمراً عظيماً. وسأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس، فقالت: ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سعة وثلاثين ألف ألف. فبلغ الحسن بن سهل، فقال: كأن النفقة على يد زبيدة! أنفقنا خمسة وثلاثين ألف ألف، وكان يجري في جملة الجرايات في كل يوم على نيف وثلاثين ألف ملاح.
وكان دخولها في المدينة التي بناها بفم الصلح على شاطىء دجلة، لثمان خلون من شهر رمضان سنة عشر ومائتين.
قال: وأمهر المأمون بوران مائة ألف دينار وخمسة آلاف ألف درهم، وأوقد بين يديه تلك الليلة ثلاث شمعات عنبر وكثر دخانها. فقالت زبيدة: إن فيما ظهر من المروءة لكفاية، ارفعوا هذا الشمع العنبر وهاتوا الشمع.
قال: ولما جليت بوران على المأمون، نثر عليها حباً كباراً كان في كمه، فوقع على حصير ذهب كان تحته. فقال: لله در الحسن بن هانىء، ما أعظمه من شاعر فصيح حيث يقول:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء درّ على أرض من الذهب
قال: وامتنع من كان حاضراً أن يلتقط شيئاً. فقال المأمون: أكرمنها! فمدت زبيدة يدها فأخذت حبة، فالتقط من حضر الباقي.