وكان ابن الأشعث اختار دير الجماجم، لتأتيه الإمداد والميرة، كما كان عزم أن يقطع عن الحجاج وأصحابه مجرى الماء، فيقتلهم عطشاً.
فنزل الحجاج ضرورة هو وجيوشه دير قُرة، وقال: ما اسم هذا الدير؟ قيل: دير قُرة، فقال: ملكنا البلاد، واستقررنا فيها. وقال: ما اسم الذي نزله ابن الأشعث؟ قيل: دير الجماجم. قال: تكثر جماجم أصحابه عنده إن شاء الله.
قلاية القسّ وهي بالحيرة، في موضع حسن، وكان القسّ الذي تنسب إليه من ملاح النصارى، وكان ناسكاً، ثم صار فاتكاً.
وقد ذكره أبو الفرج، وقال فيه الثرواني:
خَليليَّ مِنْ تَيْمٍ وعجلٍ هُديتما ... أضيفا بحثِّ الكأسِ يومي إلى أمسي
وإن أنتما حييتماني تحية ... فلا تعدُوا ريحان قلّاية القِّس
وبالسوسن الأزاذ فالورد فارمِيا ... بنسرينكُم في الشرق أو مغرب الشمسِ
إذا ما به حييتماني، فاخلوا ... حميدين دوني بالخلوق وبالورس
وإن أنتما قلتما: لا بدّ من شرب دائرٍ ... ولم تعذراني في مطال ولا حَبْس
فمن قهوةٍ حيريّةٍ راهبيةٍ ... عتيقة خمسٍ أو تزيدُ على خمس
تجرُّ على قَرعِ المزاجِ إزارها ... وتختالُ منه في مُصبَّغةِ العُرس
دير كعب بالشام.
أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال: حدثني أبو أيوب المديني قال: حدثني أحمد بن إبراهيم الكاتب قال: حدثني أبي عن رجل من أهل الشام قال: كنت يوماً نازلاً بدير كعب، قد قدمتُ من سفر، فإذا أنا برجل قد نزل الدير معه ثقل وآلة وعيبة، فكان قريباً من موضعي، فدعا بطعام فأكل، فدعا الراهب فوهب له دينارين، وإذا بينه وبينه صداقة، فأخرج له شراباً فجلس يشرب ويحدث الراهب، وأنا أراهما، إذ دخل الدير فجلس معهما، فقطع حديثهما وثقل في مجلسه، وكان غثّ الحديث، فأطال. فجاءني بعض غلمان الرجل النازل فسألته عنه، فقال: هذا مطيع بن إياس. فلما قام الرجل وخرج كتب مطيع على الحائط شيئاً، وجعل يشرب حتى سكر، فلما كان من غد رحل، فجئت موضعه فإذا فيه مكتوب:
طَربةً ما طَربتُ في دير كَعبٍ ... كدتُ أقضي من طَربتي فيه نَحبي
وتذكرت إخوتي ونداما ... يَ فهاج البكاءَ تذكارُ صحبي
حين غابوا شتّى وأصبحتُ فرداً ... ونأوا بين شرق أرضٍ وغربِ
وهمُ ما همُ، فحسبي لا أبغي ... بديلاً بهم لعُمرك حسبي
طلحةُ الخَير منهم وأبو المنذر ... خلّي ومالكٌ ذاك تربي
أيها الداخلُ الثقيلُ علينا ... حينَ طابَ الحديثُ لي ولصحبي
خِفَّ عنّا فأنت أثقلُ والله ... علينا من فرسخي دَير كَعب
ومن الناس من يخفّ ومنهم ... كرحى البزر رُكّبتْ فوقِ قلبي
دير لبَّى على جانب الفرات. بالجانب الشرقي منه. ذكره أبو الفرج قال: ويروى لبني بالنون.
قال: وهو دير قديم على جانب الفرات بالجانب الشرقي منها، وهو من منازل بني تغلب، بالجزيرة. وقد ذكره الأخطل فقال:
عفا دَيرُ لبَّى من أميمةَ، فالحَضرُ ... فأقفر، إلا أنْ يُلَّم به سَفْرُ
قضينَ من الدَّيرين همّاً طَلبنَهُ ... فهَّنّ إلى لهوٍ، وجاراتها شُزْرُ
وهناك كانت وقائع بين بني تغلب وبني شيبان ومغالبة على تلك البلاد.
قال ابن مقبل:
كأنَّ الخيلَ إذ صبَّحن كَلباً ... يرينَ وراءهم ما يبتغينا
سَخِطنَ، فلا يَرينهمُ بَواءً ... فلا ينزعِنَ حتى يغتدينا
ولو كَحِلت حواجبُ آل قيسٍ ... بتغلب بعد كلبٍ ما قرينا
فما تسلم لكم أفراس قيس ... ولا ترجوا البناتِ ولا البنينا
أثرن عجاجةً في دير لُبَّى ... وبالحضرين شيَّبن القُرونا
وقال الراعي:
هُمُ تركوا على أكنافِ لبّى ... نساءهُمُ لنا لمّا لَقونا
دير اللُّج: بالحيرة.
قال أبو الفرج: بناه أبو قابوس النعمان بن المنذر أيام مُلكه، ولم يكن في ديارات الحيرة أحسن منه بناء، ولا أنزه موضعاً، وفيه يقول الشاعر:
سقى اللهُ دير اللُّج غيثاً فإنه ... على بُعده دير إليّ حبيبُ
قريبٌ إلى قلبي، بعيدٌ محلّه ... وكم من بعيد الدار وهو قريبُ