ولم تفارق السلطان مراد زهادته في الدنيا والملك فنزل على العرش مرة أخرى لابنه محمد وعاد إلى عزلته في مغنيسيا كما يعود الأسد المنتصر إلى عرينه.

ولقد ذكر لنا التاريخ مجموعة من الملوك والحكام الذين نزلوا عن عروشهم وانقطعوا عن الناس وأبهة الملك إلى العزلة، وأن بعض هؤلاء الملوك قد عادوا إلى العرش ولكن لم يذكر لنا أحد منهم نزل عن العرش مرتين غير السلطان مراد فإنه لم يكد يذهب إلى معتزله بآسيا الصغرى حتى ثار الانكشارية في أدرنة وشغبوا وهاجوا وماجوا وتمردوا وطغوا وأفسدوا وكان السلطان محمد فتى يافعاً حديث السن وخشي بعض رجال الدولة أن يستفحل الأمر ويعظم الخطر ويتفاقم الشر، وتسوء العاقبة فبعثوا إلى السلطان مراد يستقدمونه ليتولى الأمر بنفسه (?) وجاء السلطان مراد وقبض على زمام الأمر وخضع له الانكشارية وأرسل ابنه محمد إلى مغنيسيا حاكماً عليها بالأناضول، وبقى السلطان مراد الثاني على العرش العثماني إلى آخر يوم في حياته، وقد قضاها في الغزو والفتح (?).

أولاً: مراد الثاني وحبه للشعراء والعلماء وفعل الخير:

يقول محمد حرب: (مراد الثاني وإن كان مقلاً وكان مالدينا من شعره قليلاً، لصاحب فضل على الأدب والشعر لا يجحد، لأن نعمة حلّت على الشعراء الذين كان يدعوهم إلى مجلسه يومين في كل أسبوع ليقولوا ماعندهم، ويأخذون بأطراف الأحاديث والأسمار بينهم وبين السلطان، فيستحسن أو يستهجن، ويختار أو يطرح، وكثيراً ماكان يسدّ عوز المعوزين منهم بنائلة الغمر أو بإيجاد حرفة لهم تدرّ الرزق عليهم حتى يفرغوا من هموم العيش ويتوفروا على قول الشعر، وقد أنجب عصره كثيراً من الشعراء (?).

لقد حوّل القصر الحاكم إلى نوع من الأكاديمية العلمية ووصل به الأمر أن كان الشعراء يرافقونه في جهاده (?).

ومن أشعاره: (تعالوا نذكر الله لأننا لسنا بدائمين في الدنيا) (?). كان سلطاناً عالماً عاقلاً عادلاً شجاعاً، وكان يرسل لأهالي الحرمين الشريفين وبيت المقدس من خاصة ماله في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015