لقد استقر في مفهموم المجتمع العثماني أن بقاء الأمة على الاستقامة رهن استقامة ولاتها، ولذلك نجد في التاريخ العثماني صور مشرفة في تقويم الحكام وأرشادهم ونصحهم، فهذا المولى علاء الدين علي بن أحمد الجمالي المتوفى سنة 932هـ، فقد كان عالماً عاملاً يمضي وقته في التلاوة والعبادة والدرس والفتوى، محافظاً على الصلوات الخمس مع الجماعة، وكان كريم النفس، طيب الاخلاق، عظيم المهابة، صدّاعاً بالحق، عفيف اللسان لايذكر أحد بسوء ولعلاء الدين احتساب عظيم مع السلطان سليم خان المتوفى عام 926هـ ومن ذلك: أن السلطان سليم أمر بقتل مائة وخمسين من موظفيه، فلما سمع المولى علاء الدين بالأمر ذهب الى الديوان، ولم تكن عادته الحضور الى السلطان إلا لأمر عظيم، فلم يشعر الوزراء وأهل الديوان إلا بدخول الشيخ المفتي عليهم، فوثبوا يستقبلونه حتى أقعدوه في صدر المجلس وقالوا له: أي شيء دعا المولى الى المجيء الى الديوان العالي؟ قال: أريد أن أدخل على السلطان ولي معه كلام، فأستأذنوا له على السلطان، فأذن له وحده فدخل عليه وجلس، وقال: وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان، وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلاً من أرباب الديوان لايجوز قتلهم شرعاً، فغضب السلطان وكان صاحب حدة، وقال له: لا تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وظفيتك، فقال الشيخ: بل أعترض لأمر آخرتك، وإنه من وظيفتي، ومهما عشت فإنك ميت ومعروض على الله، وواقف بين يديه للحساب، فإن عفوت فلك النجاة، وإلا فإن أمامك جهنم وعليك عقاب عظيم، ولا يعصمك ملكك ولا ينجيك سلطانك، فما كان من السلطان إلا الاذعان والتسليم أمام نداء الحق من هذا المحتسب، وخضع للحق، وعفا عنهم جميعاً، ثم إن المحتسب لم يكتف بذلك بل طالبه أن يعيد الجميع الى وظائفهم ففعل. رحم الله المولى علاء الدين الذي كان عظيماً باحتسابه جريئاً في الحق لايخشى فيه لومة لائم ولقد تأثر السلطان سليم بهذا العالم وأرسل إليه بعد ذلك وطلب منه أن يكون قاضي العسكر وقال له جمعت لك بين الطرفين لاني تحققت أنك تتكلم بالحق، فكتب إليه وصل اليّ كتابك سلمك الله تعالى وأبقاك وأمرتني بالقضاء وأني أمتثل أمرك إلا أن لي مع الله تعالى عهداً أن لاتصدر عني لفظة حكمت فأحبه السلطان محبة عظيمة (?).

وهكذا سار العثمانيون على المنهج الذي وضعه لهم المؤسس الأول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015