ثم أورد قصة عمر، حين رأى معه النبي - صلى الله عليه وسلم -، شيئاً من التوراة وغضب عليه حتى رجع، الحديث وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لاتسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ... ) الحديث.

فقال: (هؤلاء هم أهل الكتاب .. وهذا هو هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في التلقي عنهم في أمور تختص بالعقيدة والتصور، أو بالشريعة والمنهج، ولا ضير وفق روح الاسلام وتوجيهه -من الانتفاع بجهود البشر كلهم في غير هذا من العلوم البحتة علماً وتطبيقاً، مع ربطها بالمنهج الايماني: من ناحية الشعور بها وكونها من تسخير الله للانسان، ومن ناحية توجيهها والانتفاع بها في خير البشرية، وتوفير الأمن له والرخاء، وشكر لله على نعمة المعرفة ونعمة تسخير القوى والطاقات الكونية، شكره بالعبادة، وشكره بتوجيه هذه المعرفة وهذا التسخير لخير البشرية.

فأما التلقي عنهم في التصور الإيماني، وفي تفسير الوجود، وغاية الوجود الانساني، وفي منهج الحياة وانظمتها وشرائعها، وفي منهج الأخلاق والسلوك -أيضاً- أما التلقي في شيء من هذا كله فهو الذي تغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأيسر شيء منه، وهو الذي حذر الله الأمة المسلمة عاقبته، وهو الكفر الصّراح) (?).

إن موجة تقليد الغرب بدأت عارمة حين دبّ الضعف والوهن في الخلافة العثمانية وتكالبت قوى الهدم بتقويضها -في الداخل والخارج- وحين شعرت هذه الدولة الضعيفة بالنقص أمام الدول النصرانية الفتية، فاتجهت الدولة العثمانية الى تقليد تلك الدول وأخذت من إنتاجها الجديد؛ وقد وافق هذا

-شلل- في التفكير لدى المسلمين وبعد عن منهج الله الأصيل، فاستمدت من الكفار، دون وعي أو إدراك أو تفكير في أسباب تقدم تلك الدول الكافرة ودون أن تجد في اللحاق بها بالجد والاعتماد على القوة الذاتية، والجهود المسلمة .... ! (?)

وبدأت موجة التقليد الأعمى قوية عارمة تدفعها -بحمق وعنف - الاهواء والانحرافات في الداخل، والجهود الماكرة المخططة من الخارج، فأخذت البلاد الاسلامية تسلك هذا الطريق واحدة تلو الأخرى، ابتداء من تركيا فمصر والشام ثم تونس وإيران والهند.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015