المبحث الأول
السلطان سليم الثاني
تولى الحكم في 9 ربيع الأول سنة 974هـ، ولم يكن مؤهلاً لحفظ فتوحات والده السلطان سليمان ولولا وجود الوزير الفذ والمجاهد الكبير والسياسي القدير محمد باشا الصقللي (?) لانهارت الدولة، إذ قام بإعادة هيبتها وزرع الرهبة في قلوب أعدائها وعقد صلحاً مع النمسا وأتم توقيع معاهدة في عام 975هـ الموافق 1967م احتفظت بموجبها النمسا بأملاكها في بلاد المجر ودفعت الجزية السنوية المقررة سابقاً للدولة كما اعترف أمراء تراسلفانيا والأفلاق والبغدان (?).
تجددت الهدنة مع ملك بولونيا وشارل التاسع ملك فرنسا في عام 980هـ الموافق 1569م كما زادت الامتيازات القنصلية الفرنسية وجرى تعيين هنري دي فالوا - وهو أخو ملك فرنسا - ملكاً على بولونيا باتفاق مع فرنسا التي أصبحت بذلك ملكة التجارة في البحر المتوسط. وطبقاً للمعاهدات السابقة فقد قامت تلك الدولة - أي فرنسا - بإرسال البعثات الدينية النصرانية إلى كافة أرجاء البلاد العثمانية التي يسكنها نصارى وخاصة بلاد الشام وقامت بزرع محبة فرنسا في نفوس نصارى الشام ممّا كان له أثر يذكر في ضعف الدولة، إذ امتد النفوذ الفرنسي بين النصارى وبالتالي ازداد العصيان وتشجعوا على الثورات فكان من أهم نتائج ذلك التدخل الاحتفاظ بجنسية ولغة الأقليات النصرانية حتى إذا ضعفت الدولة العثمانية ثارت تلك الشعوب مطالبة بالإستقلال بدعم وتأييد من دول أوروبا النصرانية (?).
إن اقتناع الدول الأوروبية بكون " نظام الامتيازات الأجنبية، حقاً من حقوقها الطبيعية هو الذي دفع فرنسة لإرسال جنودها لمساعدة البندقية التي كان السلطان مراد الرابع (1624 - 1640م) يحاربها، كما أرسلت سفيرها برفقة عمارة بحرية لإرهاب الدولة العلية ومطالبتها بتحديد الامتيازات. لكن الصدر الأعظم حينئذ والذي كان مازال يمتلك قراره السياسي، أخبر السفير "بأن المعاهدات هذه ليست اضطرارية واجبة التنفيذ ذلك لكونها منحة سلطانية فحسب، الأمر الذي جعل فرنسة تتراجع عن تهديداتها وتتحايل لدى السلطان ليوافق من جديد على تجديد نظام الامتيازات عام 673م، مما زاد الطين بلة، وبدل أن تتعظ الدولة العثمانية مما حدث أمر السلطان محمد الرابع