ـ عمق التأمل ودقة التفسير.
ـ قوة الاستنباط.
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابة غير القرآن في أول الأمر، مخافة اختلاط غير القرآن به، واشتغال الناس عن كتاب ربهم بغيره، ثم جاء بعد ذلك الإذن النبوي بالكتابة والإباحة المطلقة لتدوين الحديث الشريف فنسخ الأمر، وصار الأمر إلى الجواز (?). وقد ثبت أن كثيراً من الصحابة قد أباحوا تدوين الحديث وكتبوه لأنفسهم، وكتب طلابهم بين أيديهم، وأصبحوا يتواصلون بكتابة الحديث وحفظه (?). وقام الجهابذة من أهل العلم، والغيورين من المسلمين بجهود جبارة لتدوين السنة المطهرة وجمع الحديث النبوي، وتنقيته من شوائب الوضع، وبذلوا في ذلك مهجهم وأوقاتهم، فأسهروا ليلهم، وضربوا في الأرض نهارهم، وأصَّلوا لذلك أصولاً، وقعّدوا قواعد، حتى أثمرت تلك الجهود المباركة هذه الدواوين العظيمة، التي يعكف المسلمون على قراءتها وحفظها والعمل بها والفضل كل الفضل لله ـ ثم لأولئك البررة الذين كانوا السبب في جمعها، وليس لهم مكافأة أعظم من أجر الله الجزيل لهم يوم القيامة إن شاء الله تعالى (?)، ولعل طلائع التدوين الرسمي للحديث النبوي، الذين قامت به جهة مسؤولة في الدولة الإسلامية، كان على يدي عبد العزيز بن مروان ـ والد عمر ـ عندما كان أميراً على مصر كما مرّ معنا، بيد أن التدوين الذي آتى ثماره هو ما قام به أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وقد تجلى ذلك في إرشاداته لكتابة العلم وتدوين الحديث، وأوامره للخاصة والعامة بذلك، فمن إرشاداته قوله: أيها الناس قيدوا العلم بالشكر، وقيدوا العلم بالكتابة (?)، لكن أمير المؤمنين عمر لم يكتف بهذا الإرشاد العام والحض على حفظ العلم بكتابته، بل سعى ـ بحكمه خليفة المسلمين ـ إلى إصدار أوامره إلى بعض الأئمة العلماء بجمع سنن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حمله على ذلك ما رآه عند كثير من التابعين في إباحة كتابة الحديث، وهم قد حملوا علماً كثيراً، فخشي عمر على ضياعه، خاصة وأنه ليس دائماً تتوفر الحفظة الواعون لنقله، دونما احتياج إلى كتابة الكتب والرجوع إليها للاستذكار وثمة سبب آخر يضاهي سابقه في الأهمية، وهو فشوّ الوضع ودسّ الأحاديث المكذوبة، وخلطها بالصحيح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بسبب الخلافات المذهبة والسياسية، وإلى هذا يشير كلام الإمام الزهري: لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها، ما كتبت حديثاً ولا أذنت في كتابه (?). ورأي