ليس بشكله الغالي الذي يتضمن نفي علم الله تعالى وهو الذي كان عليه القدرية الأوائل، فإن هذا القول قد تلاشى وسقط لسببين:
ـ قلة عدد القائلين بالقدر على هذا النحو.
ـ وقوف الصحابة الذين أدركوا هذه المقالة وعلماء التابعين ضد هذه المقولة بحزم، تارة بالبراءة من أهلها كما فعل ابن عمر رضي الله عنه، فقد قال لمن جاء بخبرهم: فأخبرهم إني بريء منهم، وإنهم برآء مني (?)، أو بإهانتهم واحتقارهم، كما فعل طاووس بن كيسان مع معبد الجهني حين رآه في المطاف حيث التفت إلى الناس وقال: هذا معبد فأهينوه (?)، أو بقتلهم وقطع دابر فتنتهم بعد تكفيرهم كما فعل بغيلان الدمشقي حين أصر على هذه العقيدة الفاسدة (?). لكن المعتزلة أحيت هذه العقيدة بطريقة خفضت فيها من غلو السابقين فأثبتت لله تعالى العلم والكتابة، وأنكرت مرتبتي الإرادة والخلق حيث قرروا أن العباد هم الخالقون بأفعالهم، وأنهم يفعلونها بمحض مشيئتهم دون مشيئة الله تعالى (?). ولهذا لم يكفرهم العلماء كما كفروا القدرية الغلاة السابقين، قال ابن تيمية: وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال (?).
* ـ الجهمية: مهد التعاصر والتزامن بين الفرقتين والاتصالات الشخصية التي كانت بين جهم وبعض أصحاب واصل لأخذ المعتزلة من الجهمية عقيدتهم في التوحيد والتي تضمنت:
أـ نفي الصفات: يقول ابن تيمية: ثم أن أصل هذه المقالة ـ مقالة التعطيل للصفات ـ إنما هو مأخوذ من تلامذة اليهود والمشركين .. فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام .. هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه (?). ثم إن المعتزلة ورثت هذه البدعة من الجهمية وأحيتها ولكن بشكل خفضت فيه من غلو الجهمية، فإن الجهمية كانت تنفي عن الله الأسماء والصفات (?)، كما ذكر ابن تيمية: أن الجهم زاد نفي الأسماء على نفي الصفات (?)، أما المعتزلة فإنهم يثبتون الأسماء وينفون الصفات (?).