يشترط فيه أن يكون محيطا بمدارك الشرع، قادراً على الفهم والاستنباط مطَّلعاً على أحوال عصره، فقيها بواقعة (?)، يقول المناوي: إن على المجدد أن يكون: قائماً بالحجة، ناصراً للسنة، له ملكة رد المتشبهات إلى المحكمات، وقوة استنباط الحقائق والنظريات، من نصوص الفرقان وإرشاداته ودلالاته واقتضاءاته من قلب حاضر وفؤاد يقظان (?) ويقول العظيم آبادي: إن المجدد للدين لابد أن يكون عالماً بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة، ناصراً للسنة، قامعاً للبدعة (?)، ويقول المودودي: من الخصائص التي لابد أن يتصف بها المجدد هي: الذهن الصافي، والبصر النفاذ، والفكر المستقيم بلا عوج والقدرة النادرة على تبيين سبيل القصد بين الإفراط والتفريط، ومراعاة الاعتدال بينهما، والقوة على التفكير المجرد عن تأثير الأوضاع الراهنة، والعصبيات الراسخة على طول القرون، والشجاعة والجرأة على مزاحمة سير الزمان المنحرف (?)، ويقول في تعداده لعمل المجدد: الاجتهاد في الدين، والمراد به أن يفهم المجدد كليات الدين، ويتبين اتجاه الأوضاع المدنية والرقي العمراني في عصره ويرسم طريقاً لإدخال التعبير والتعديل على صورة التمدن القديمة المتوارثة، يضمن للشريعة سلامة روحها وتحقيق مقاصدها، ويمكّن الإسلام من الإمامة العالمية في رقي المدينة الصحيح.

ج ـ أن يشمل تجديده ميداني الفكر والسلوك في المجتمع: وذلك لأن تصحيح الانحراف من أخص المهمات التي ينبغي أن يقوم بها المجدد، ومعلوم أن الانحراف يطرأ على السلوك كما يطرأ على الفكر، بل إن غالب الانحرافات السلوكية منشؤها الخرافات فكرية، فيقوم المجدد بتصويب الأفهام والأفكار، وتخليصها مما داخلها من شكوك وشبهات، ويحيى العلم النافع، والفهم الصحيح للإسلام، ويبثه بين الناس، وينشره بالتدريس، وتأليف الكتب، وغير ذلك من الوسائل المتاحة، ثم يعمد إلى إصلاح سلوك الناس وتقويم أخلاقهم، وتزكية نفوسهم، وإبطال التقاليد المخالفة للشريعة، وإعلان الحرب على البدع والخرافات، والمنكرات المتفشية في حياة الناس، ومواجهة الفساد بمختلف أشكاله وصوره، وخاصة الفاسد في الحكم والإمارة، بهذا يكون المجدد قد جمع بين القول والفعل، والعلم والعمل، قد أثار السلف إلى هذا الشرط بقولهم عن المجدد إنه ينصر السنة ويقمع البدعة (?).

س ـ أن يعم نفعه أهل زمانه:

وذلك لأن المجدِّد رجل مرحلة زمنية، تمتد قرناً من الزمن، فلابد إذن من أن يكون منارة يستضيء بها الناس ويسترشدون بهداها، حتى مبعث المجدد الجديد على الأقل، وهذا يقتضي أن يعم علم المجدد ونفعه أهل عصره، وأن تترك جهوده الإصلاحية أثراً بيناً في فكر الناس وسلوكهم، وغالباً ما يتم تحقيق ذلك عبر من يربيهم من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015