الدنيا، مؤمناً بقوله تعالى: ((يا قوم ـ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَار)) (غافر، الآية: 39) فأدرك عمر بفطرته السليمة وعقيدته الصحيحة، أن آخرة المسلم أولى باهتمامه من دنياه، يقول عمر في كتاب له إلى يزيد بن المهلب: .. لو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج، واعتقال أموال، كان في الذي أعطاني من ذلك، ما قد بلغ بي أفضل ما بلغ بأحد من خلقه، ولكنِّي أخاف ـ فيما أبتليت به ـ حساباً شديداً، ومسألة عظيمة، إلا ما عافى الله ورحم (?)، كما كان عمر شديد الخوف من الله تعالى، تقول زوجته فاطمة بنت عبد الملك: والله ما كان بأكثر الناس صلاة، ولا أكثرهم صياماً، ولكن والله ما رأيت أحداً أخوف لله من عمر، لقد كان يذكر الله في فراشه، فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول: ليصبحَنَّ الناس ولا خليفة لهم (?)، وقال مكحول: لو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز (?)، ولشدة خوفه من الله، كان غزير الدمع وسريعه، فقد: دخل عليه رجل وبين يديه كانون فيه نار، فقل: عظني. قال: يا أمير المؤمنين ما ينفعك من دخل الجنة، إذا دخلت أنت النار، وما يضرّك من دخل النار، إذا دخلت أنت الجنة، قال: فبكى عمر (?) حتى طفئ الكانون الذي بين يديه من دموعه، وقد كان جلّ خوفه ـ رحمه الله ـ من يوم القيامة، فيدعو الله، ويقول: اللهم إن كنت تعلم إني أخاف شيئاً دون القيامة، فلا تؤمن خوفي (?)، ذلك اليوم الذي أحدث تغيراً جذرياً في مجرى حياته ذلك اليوم الذي يقول عنه عمر: (( .. لقد عنيتم بأمر، لو عنيت به النجوم لانكدرت، ولو عنيت به الجبال لذابت، ولو عنيت به الأرض لتشققت، أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة، وأنكم صائرون إلى أحداهما (?)، نعم إن الخوف من الله، والرؤية الواضحة للحياة، والفناء والخلود، والإحساس بيوم الحساب، والانفعال بمشاهد الجنة والنار، هي التي تضع المسؤولين، وتجعلهم يرتعدون خوفاً إن هم انحرفوا قيد شعرة عما يريد الله (?)، فالوعي والإحساس بيوم الحساب، وغيرها من الصفات الاعتقادية، تجعل القائد لا يخطو خطوة، ولا يقول قولاً، ولا يفعل فعلاً، إلا ربط ذلك بما يرضي الله عز وجل، وتلك الصفات والجوانب، لم تعط حقها من البحث والتحرى في الدراسات القيادية الحديثة وهي أساس النجاح في القيادة، وأهم الصفات القيادية التي ينبغي للقائد أن يتحلى بها، وإن من أهم صفات عمر بن عبد العزيز، الإيمان الراسخ بالله واليوم الآخر، وشدة خوفه من الله والوجل من يوم القيامة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015