وكتب إلى عامله عبد الله بن عوف على فلسطين: أن: أركب إلى البيت يقال له: المكس، فاهدمه ثم أحمله إلى البحر فأنسفه في اليم نسفاً (?). نعلم مما سبق أن المكس دراهم تؤخذ من بائع السلع في الأسواق وأن ذلك يصدق على الجمارك التي تؤخذ على السلع عند استيرادها في هذا الزمان، وأن عمر بن عبد العزيز يرى أن ذلك من الظلم فمنعه (?). والحجة فيما فعله عمر بن عبد العزيز قول الله تعالى: ((وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) (الشعراء، الآية: 183).

ز ـ رد المظالم وإخراج زكاتها:

قرر عمر بن عبد العزيز رد المظالم التي في بيوت المال، وأخذ زكاتها لسنة واحدة (?)، عن مالك بن أنس عن أيوب السختياني أن عمر بن عبد العزيز رد مظالم في بيوت الأموال فرد ما كان في بيت المال وأمر أن يزكي لما غاب عن أهله من السنين، ثم كتب بكتاب آخر: إني نظرت فإذا هو ضمار (?) لا يزكي إلا لسنة واحدة (?)، وعن عمرو بن ميمون قال: أخذ الوالي في زمن عبد الملك مال رجل من أهل الرقة يقال له أبو عائشة عشرين ألفاً فأدخلت في بيت المال، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أتاه ولده فرفعوا مظلمتهم إليه، فكتب إلي ميمون: أدفعوا إليهم أموالهم، وخذوا زكاة عامه هذا، فلولا أنه كان مالاً ضماراً أخذنا منه زكاة ما مضى (?).

هذا هو عمر بن عبد العزيز في دولته التي أقامها على العدل وكان رحمه الله يعلم ولاته أنه بالعدل تستقيم الحياة بكل شئونها فلما أرسل إليه بعض عماله يقول: أما بعد، فإن مدينتنا قد خربت، فإن يرى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نرمّها به فعل. فكتب إليه عمر: أما بعد، فقد فهمت كتابك، وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصِّنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم، فإنَّه مرمَّتها والسلام (?)، وكتب إلى بعض عماله: إن قدرت أن تكون في العدل والإحسان والإصلاح كقدر من كان قبلكم في الجور والعدوان والظلم، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله (?)، وكتب إلى أبي بكر بن حزم: أن استبرئ الدواوين، فانظر إلى كل جور جاره من قبلي من حق مسلم أو معاهد فردَّه إليه، فإن كان أهل تلك المظلمة قد ماتوا فادفعه إلى ورثتهم (?). وكان رحمه الله يواجه في تنفيذ ما يريده من العدل مصاعب ومشقات ومقاومة، وعقبات، فكان ينفق بعض المال في سبيل تهدئة بعض النفوس، لإنفاذ الحق ونشر العدل، ورفع الظلم، دخل عليه ابنه عبد الملك ذات يوم، فقال: يا أبتِ ما يمنعك أن تمضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015