في خير لا يجيء إلا بالسيف، يا بني، إني أروض الناس رياضة الصعبة، فإن بطأ بي عمر أرجو أن ينفذ الله مشيئتي وأن تعدو منيتي فقد علم الله الذي أريده (?). وهكذا يتبع عمر أسلوب الحكمة والحسنى في تنفيذ سياسته وتطبيقاً لهذه السياسة فإنه قد مهد لهذه الخطوة الحاسمة، والخطيرة بخطوات تسبقها خروجه هو أولاً مما بيده من مظالم وردها إلى أصحابها، أو بيت المال، ثم إتجه إلى أبناء البيت الأموي فجمعهم وطلب إليهم أن يخرجوا مما بأيدهم من أموال وإقطاعات أخذوها بغير حق (?). وشهدت الأيام الأولى من خلافة عمر تجريداً واسع النطاق لكثير من أموال وأملاك بني أمية، ظلت تنمو في الماضي وتتضخم لكونهم العائلة الحاكمة ليس إلا .. وها هي الآن ترد إلى بيت مال المسلمين لكي يأخذ العدل مجراه، وتعود أموال المسلمين إلى المسلمين، لا يستأثر بها أحد دون أحد، ولا حزب دون حزب .. أموال وأملاك من شتى الصنوف والأنواع، جمعت بمختلف الطرق وسائر الأساليب جرد عمر بني أمية منها ومزق مستنداتها واحدة واحدة، وردها إلى مكانها الصحيح: مظالم وجوائز وهدايا ومخصصات استثنائية وضياع وقطاع، جمعت كلها على شكل ممتلكات ثابتة ونقود سائلة بلغت في تقدير عمر شطراً كبيراً من أموال الأمة جاوزت النصف (?)،
ولا تمضي سوى أيام معدودات حتى يجد بنو أمية أنفسهم مجردين إلا من حقهم الطبيعي المشروع، فيضجون ضد سياسة عمر هذه ويعلنون معارضتهم الصارمة لها، فماذا يكون جواب عمر. أنظروا: والله لوددت أن ألا تبقى في الأرض مظلمة إلا ورددتها على شرط ألا أرد مظلمة إلا سقط لها عضو من أعضائي أجد ألمه ثم يعود كما كان حياً، فإذا لم يبق مظلمة إلا رددتها سألت نفسي عندها (?)، ولكن بني أمية لم ييأسوا من هذا الحزم والعزم إزاء حقوق الأمة، وهم الذين ما خطر ببالهم يوماً أن يجردوا هذا التجريد فاجتمعوا وطلبوا من أحد أولاد الوليد وكان كبيرهم ونصيحهم، أن يكتب إلى عمر، فكتب إليه: أما بعد فإنك أنسيت ممن كان قبلك من الخلفاء وسرت بغير سيرتهم وسميتها المظالم نقصاً لهم لأعمالهم، وشاتماً لمن كان بعدهم من أولادهم ولم يكن ذلك لك، فقطعت ما أمر الله أن يوصل، وعملت بغير الحق في قرابتك وعمدت إلى أموال قريش ومواريثهم وحقوقهم فأدخلتهم بيت مالك ظلماً وجوراً وعدواناً فاتق الله يا ابن عبد العزيز وارجعه، فإنك قد أوشكت لم تطمئن على منبرك إن خصصت ذوي قربتك بالقطيعة والظلم، فوالله الذي خص محمد صلى اله عليه وسلم بما خصه من الكرامة لقد ازدادت