يستشار في جميع الأمور دون استثناء (?)، ونستنتج من هذه القصة أهمية العلماء الربانيين وعلو مكانتهم وأنه يجب على صاحب القرار أن يدنيهم ويقربهم منه ويشاورهم في أمور الرعية، كما أنه على العلماء أن يلتفوا حول الصالح من أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن للمصالح وتقليل ما يمكن من المفاسد، كما أن عمر بن عبد العزيز لم يختصر في شوراه على هؤلاء فحسب، بل كان يستشير غيرهم من علماء المدينة، كسعيد بن المسيِّب، والزهري، وغيرهم، وكان لا يقضي في قضاء حتى يسأل سعيد، وفي المدينة أظهر عمر عبد العزيز إجلاله للعلماء وإكباره لهم، وقد حدث أن أرسل رحمه الله تعالى رسولاً إلى سعيد بن المسيِّب يسأله عن مسألة، وكان سعيد لا يأتي أمير ولا خليفة فأخطأ الرسول فقال له: الأمير يدعوك، فأخذ سعيد نعليه وقام إليه في وقته، فلما رآه عمر قال له: عزمت عليك يا أبا محمد إلا رجعت إلى مجلسك حتى يسألك رسولنا عن حاجتنا، فإنا لم نرسله ليدعوك، ولكنه أخطأ أنما أرسلناه ليسألك (?)، وفي إمارته على المدينة المنورة وسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر من والوليد بن عبد الملك، حتى جعله مائتي ذراعاً في مائتي ذراع، زخرفه بأمر الوليد أيضاً، مع إنه رحمه الله تعالى كان يكره زخرفة المساجد (?)، ويتضح من موقف عمر بن عبد العزيز هنا أنه قد يضطر الوالي للتجاوب مع قرارات ممن هو أعلى منه حتى وإن كان غير مقتنع بها إذا قدر أن المصلحة في ذلك أكبر من وجوه أخرى. وفي أمارته على المدينة في سنة 91هـ حج الخليفة الوليد بن عبد الملك فاستقبله عمر بن عبد العزيز أحسن استقبال، وشاهد الوليد بأم عينيه الإصلاحات العظيمة التي حققها عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة (?).
قال العلماء في السير: كان خبيب بن عبد الله بن الزبير قد حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا بلغ بنو أبي العاص (?) ثلاثين رجلاً اتخذوا عباد الله خولاً، ومال الله دولاً (?) وهو حديث ضعيف فبعث الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز ـ واليه على المدينة ـ يأمره بجلده مائة سوط وبحبسه فجلده عمر مائة سوط، وبرد له ماءً في جرّة ثم صبه عليه في غداة باردة