رأينا كيف طلب المدد قبل معركة وادي لكّة وكان موسى على علم تام بأحوال الفتوح وبعد سنة تقريباً من عبور طارق، وتفرق جيشه وتوزيعه على المناطق والمدن التي فتحت ـ خاف طارق أن يُغلب وأن يُستغل القوط قلة جيشه، فأرسل إلى موسى يستنجده واستخلف موسى على القيروان ولده عبد الله .. ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم (?)، وتحرك موسى بجيشه نحو شذونة فكانت أول فتوحاته ثم توجه إلى مدينة قرمونة وليس بالأندلس أحصن منها، ولا أبعد على من يرومها بحصار أو قتال فدخلها بحيلة توجهت بأصحاب يُلْيان، دخلوا إليهم كأنهم فُلاّل وطرقهم موسى بخيله ليلاً ففتحوا لهم الباب، وأوقعوا بالأحراس، فملكت المدينة (?) فافتتحها. وتوجه بعد ذلك: إلى أشبيلية جارتها فحاصرها وهي أعظم مدائن الأندلس ... فامتنعت شهراً على موسى ثم فتحها الله عليه، .. ثم سار إلى مدينة ماردة وفتح في طريقه إليها لَبْلَة وباجة ثم فتح ماردة صلحاً بعد قتال وجهاد عظيم (?)، وأقام موسى في ماردة زيادة على شهر يرتب أحوالها وينظم أمورها ويريح الجند من العناء ويستعد لاستئناف السير (?)، ووجه موسى ابنه عبد العزيز من ماردة إلى أشبيلية، وكانت فلول القوط من لبلة وباجة قد اجتمعت فيها وقتلوا العديد من المسلمين، منتهزين فرصة انشغال موسى بحصار ماردة وبلغه الخبر خلال الحصار، فأعاد عبد العزيز فتح أشبيلية ثم فتح لبلة وباجة (?)، وأصبحت المدن والقرى تتساقط أمام جيوش الفاتحين كتساقط الأوراق من على الأشجار في فصل الخريف.
في بداية ذي القعدة سنة 94هـ ابتدأ موسى بالسير صوب طليطلة ـ وكتب إلى طارق بالتوجه إليه في مجموعة من جيشه ثم جاءه طارق. ذكر البعض أن لقاءهما كان عند طليطلة أو قرطبة، ورجح الدكتور الحجي العالم البارز في تاريخ الأندلس: بأن اللقاء كان خارج مدينة طلبيرة التي تبعد 150كم غرب طليطلة (?)، ووصل موسى وطارق إلى طليطلة ذو القعدة ـ ذي الحجة أو آخر سنة 94هـ وأقاما بالجيش الإسلامي فصل الشتاء أو جله في طليطلة يرتبون أحولها وينظمون شئونها، ويستريحون ويتهيأون ويخططون لفتح شمال شبه الجزيرة الأيبيريَّة، وكتب موسى والقادة الآخرون إلى الخليفة الوليد ـ وربما ليس لأول مرة ـ أخبار الفتح، وضربت العملة الإسلامية لأول مرة في الأندلس وقام بالدعوة إلى الله وتعليم الناس حقائق الإسلام وشرحه لهم ودعوتهم إليه بعد أن رآه أهل البلاد عملياً في خلق الفاتحين. ولعلهم أرسلوا فرقاً