الرجل الصمت والهدوء، وعدم التعجل لذا ظل يعلم الناس في هدوء وسكينة عشرين سنة (?)، وكان من أهم أتباعه وأنصاره، ذلك الرجل المقدام الذي دوّخ جيوش الحجّاج في مواقع عدة، وهو شبيب بن يزيد الشيباني، والذي كان يسكن في الجانب الأيمن من الفرات في صحراء الكوفة، وبدأ أمر الخوارج يعلو ولاسيما بعد محاولة شبيب اغتيال عبد الملك بن مروان في موسم الحج لولا وصول الخبر إلى عبد الملك فأخذ حذره وانقضى الموسم بسلام وبدأ الحجاج في التضييق على صالح وأتباعه، فنزلوا جميعاً وبعثوا إلى إخوانهم واستعدوا للخروج على دولة الخلافة، وكان الرجل من الخوارج كأنه جيش بمفرده بعدته وعتاده، وكان وقعات الخوارج مع جيوش الحجّاج كثيرة العدد وقد بدأت هذه الفرقة بالخروج على دولة الخلافة وهم مائة وعشرون (?). وكانت بداية هذه الثورة من الموصل في شمال العراق وكانت ثورة خطيرة جداً، فقد تمكن قائدها شبيب بن يزيد من هزيمة العديد من جيوش الحجّاج الجرارة وهي في عدد قليل، وتمكن من دخول الكوفة (?)، بعد أن قتل خمسة قوّاد أرسلهم الحجّاج لحربه واحداً بعد واحدة، وكانت زوجته غزالة عديمة النظير في الشجاعة (?)، وكانت نذرت أن تصلي في جامع الكوفة ركعتين تقرأ فيهما بالبقرة وآل عمران (?)، ووفت بنذرها (?)، وعيّر عمران بن حطان شاعر الخوارج الحجّاج فقال:

أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفُرُ من صفير الصافر

هلاَّ كررت على غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر

قرعت غزالة قلبه بفوارس ... تركت مناظره كأمس الغابر (?)

وقد قتل شبيب عدداً من أشراف الكوفة ولكنه لم يتمكن من البقاء فيها فخرج منها، ثم عاد إليها ثانية وضرب عليها الحصار بعد أن هزم جيشاً للحجاج عدته ألوفاً وقتل قائده عتاب بن ورقاء وهو ستمائة رجل (?)، ولما يئس الحجّاج من أهل الكوفة لتقاعسهم عن القتال وهالته هزائمهم المتكررة وهم في أعداد كبيرة أمام شبيب وهو في أعداد قليلة أرسل إلى عبد الملك بن مروان يطلب مدداً من أهل الشام واضطر الحجاج أن يقود الجيش بنفسه، واستطاع هزيمة شبيب لأول مرة، فلاذ بالأهواز، فأرسل الحجّاج خلفه جيشاً التقى به هناك، ولم تكن النتيجة حاسمة لأي من الفريقين، غير أن شبيب غرق بينما كان يعبر أحد الأنهار فلما سقط قال: ((ليقضي الله أمراً كان مفعولاً)) (الأنفال، الاية: 42) وانغمس في الماء، ثم ارتفع وقال: ((ذَلِكَ تَقْدِيرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015