مرّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وابن الزبير يلعب مع الصبيان، ففروا، ووقف ابن الزبير فقال له عمر: مالك لم تفر معهم؟ فقال: لم أجرم فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك (?)، وتروى المصادر حادثة أخرى تبين شجاعته منذ صباه الباكر، فقد ذكرت المصادر التاريخية أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبى، فمر بهم رجل فصاح عليهم ففروا، ومشى ابن الزبير القهقرى وقال: يا صبيان، اجعلوني أميركم وشدوا بنا عليه، ففعلوا (?).
عن أنس أن عثمان أمر زيدًا، وابن الزبير، وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام، فنسخوا المصاحف، وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم (?)، ومن أراد التفصيل في جمع سيدنا عثمان - رضي الله عنه - للمصاحف فليراجع كتابي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
انقطع خبر المسلمين في إفريقية عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، فسيّر إليهم عبد الله ابن الزبير في جماعة ليأتيهم بأخبارهم، فسار مُجدًا ووصل إليهم، وأقام معهم، ولمّا وصل، كثر الصياح، والتكبير في المسلمين، فسأل جرجير عن الخبر، فقيل: قد أتاهم عسكر، ففتَّ ذلك في عضده، ورأى عبد الله بن الزبير قتال المسلمين كلّ يوم من بكرة إلى الظُّهر فإذا أُذَّن بالظهر عاد كل فريق إلى خيامه، وشهد القتال من الغد فلم ير ابن سعد معهم فسأل عنه فقيل: إنه سمع منادى جرجير يقول: من قتل عبد الله بن سعد، فله مائة ألف دينار، وأزوِّجه ابنتي، وهو يخاف، فحضر عنده، وقال له: تأمر مناديًا ينادي: من أتاني، برأس جرجير، نفّلته مائة ألف، وزوجته ابنته واستعملته على بلاده، ففعل ذلك فصار جرجير يخاف أشدَّ
من عبد الله (?).
ثمّ إن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن سعد: إنَّ أمرنا يطول مع هؤلاء وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم، ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم، وقد رأيت أن نترك غدًا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهَّبين، ونقاتل نحن الروُّم في باطن العسكر إلى أن يضجروا ويملُّوا، فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون، ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال، وهم مستريحون، ونقصدهم على غرّة؛ فلعلَّ الله أن ينصرنا عليهم، فأحضر جماعة من أعيان الصّحابة، واستشارهم، فوافقوه على ذلك، فلمَّا كان الغد، فعل عبد الله ما اتفقوا عليه، وأقام جميع شُجعان المسلمين في خيامهم، وخيولهم عندهم مُسَرَّجة، ومضى