جاهلية (?). وأوجب على أهله الوفاء بالبيعة مذكراً لهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة. وإنا قد بايعنا هذا الرجل، ولا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيعة الله ورسوله، ثم ينصب له القتال (?)
الثاني: هو تعظيم حرمة دماء المسلمين وحرمة الاقتتال بينهم وتزداد هذه الحرمة في الأماكن المقدسة كمكة والمدينة، ولقد استدل ابن حجر بموقف ابن عمر السابق والأحاديث التي أستشهد بها على وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع من الخروج عليه، ولو جار في حكمه، وأنه لا ينخلع بالفسق (?). والواقع أن موقف ابن عمر لا يدل على جواز بيعة رئيسي الدولة الفاسق الظالم، ولا على تحريم خلعه بسبب فسقه وظلمه، وإنما يدل على تحريم الغدر بكل أشكاله، وفي جميع مواضعه، بما فيها غدر الأمة برئيس الدولة الذي اختارته وبايعته (?)، وكأن لسان حال ابن عمر يقول: إذا كنتم تعلمون من يزيد الفسق والظلم فلماذا بايعتموه في أول الأمر وجعلتموني أبايعه؟ لأن ابن عمر لم يبايع حتى بايع أهل المدينة جميعهم ـ أما وقد بايعتموه فيلزمكم الوفاء بالبيعة، وكان ابن عمر يشك في أقوالهم عن فسق يزيد، ولم يكن وحده في هذا الشك، بل كان محمد ابن الحنفية ينكر عليهم اتهام يزيد بترك الصلوات وشرب الخمر (?)، ولعل ذلك هو ورع ابن عمر في أن يتهم أحداً في دينه ما لم يبلغ عنده ذلك الأمر مرحلة اليقين ومع ذلك فإنه، مع بقائه بيعة يزيد، اعتزل القتال ولم يشارك أياً من الطرفين (?) فهذا موقف شيخ الصحابة في عصره، وأروع الناس وأزهدهم وأفقههم في دين الله، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاح والتقوى (?). وقالت عنه عائشة ما رأيت ألزم للأمر الأول من عبد الله بن عمر (?)، وقال عنه سعيد بن المسيب: لو شهدت على أحد أنه من أهل الجنة لشهدت على ابن عمر (?)،وقال عنه علي بن الحسين إن بن عمر أزهد القوم وأصوب القوم (?)،
وقال عنه مالك أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم، وكان من أئمة الدين (?).
فإنه لم ير خروج أهل المدينة على يزيد ولم يستجب لدعوتهم إياه بالخروج معهم بل