الموالي قد تمتعوا بمكانه مرموقة في العصر الأموي بعكس ما تصوره بعض الأقوال، وقيل أنا أبا المهاجر من موالي النوبة في مصر وقيل بأنه يرجع إلى أصول بربرية (?).
وصل عقبة بن نافع إلى إفريقية ورتب أمورها وعامل أبا المهاجر معاملة قاسية، فقد أوثقه في وثاق شديد (?)، ومع هذا فقد كان أبو المهاجر مخلصاً وفياً شهماً غيوراً فلم يبخل بنصائحه لعقبة بالرغم ما حدث بينهما من الجفوة ومن أبرز هذه النصائح إشارته على عقبة بإكرام زعيم البربر كسيلة، ومحاولة تأليفه ليبقى على الإسلام، ولكن عقبة أهان ذلك الزعيم، حيث أمره يوماً أن يسلخ شاة بين يديه، فدفعها كسيلة إلى غلمانه، فأراده عقبة على أن يتولاها بنفسه وانتهره، فقام كسيلة مغضباً وجعل كلما دس يده في الشاة مسح بلحيته، وبلغ ذلك أبا المهاجر فبعث إليه ينهاه ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألف جبابرة العرب وأنت تعمد إلى رجل جبَّار في قومه وبدار عزه حديث عهد بالشرك فتفسد قلبه؟ توثَّق من الرجل فإني أخاف فتكه (?) فتهاون به عقبة، وسيأتي الحديث عن غدر كسيلة بالمسلمين وكيف اغتنم فرصة انفراد عقبة في بعض جيشه كما سيأتي بيانه وكيف قال عقبة لأبي المهاجر: الحق بالقيروان وقم بأمر المسلمين وأنا اغتنم الشهادة، فقال أبو المهاجر: وأنا اغتنم الشهادة مثلك، فكسر كل واحد منهما غمد سيفه وكسر المسلمون أغماد سيوفهم وقاتلوا حتى قتلوا (?).
قد لاحظنا أن أبا المهاجر خاض معركة واحدة كبرى دوخ بها الروم والبربر، وخضع له البربر، ودخل بعض زعمائهم في الإسلام وأبرزهم كسيلة، ودخل كثير من قومه في الإسلام ووفر أبو المهاجر بذلك جهوداً كبيرة لابد من بذلها في فتح بلاد المغرب لو بقي أولئك البربر على كفرهم، ولاشك أن عقبة حينما أهان ذلك الزعيم البربري لم يكن يعتقد بصحة إسلامه إذ أن عقبة كان في غاية التواضع للمسلمين وكان اجتهاده يقضي بمحاولة إذلال ذلك الرجل حتى يتحطم طغيانه وتهون مكانته في نفوس قومه فلا يستطيع بعد ذلك أن يستنفرهم لحرب ضد المسلمين، ولكنه أخطأ في اجتهاده لأن قوم ذلك الرجل كانوا حديثي عهد بالإسلام، ومهما كان لظن عقبة فيه من احتمال في عدم الصدق في الولاء فإن كسبه وبقاءه في جيش المسلمين وتحت سلطتهم أولى بكثير من معاداته وإتاحة الفرصة له لضرب المسلمين من مكامن الخطر، وهو الذي صحبهم وحاز على شيء من ثقتهم (?)، ومن موقف عقبة المذكور تظهر لنا نتيجة مهمة