بينما كان عقبة يواصل فتوحاته، وينظم مدينته الجديدة، إذ بوالي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري يعزله ويولي مكانه مولاه أبا المهاجر بولاية إفريقية، وقد صرح هو نفسه بذلك حينما قالوا له: لو أقررت عقبة فإن له جزالة وفضلاً فقال: ... إن أبا المهجر صبر علينا في غير ولاية، ولا كبير نيل فنحن نحب أن نكافئه (?)، ولما عزل عقبة ذهب إلى معاوية في دمشق معاتباً، وقال له: فتحت البلاد، وبنيت المنازل، ومسجد الجماعة ودانت لي، ثم أرسلت عبد الأنصار، فأساء عزلي. فاعتذر إليه معاوية، وقال له: عرفت مكان مسلمة بن مخلد من الإمام المظلوم، وتقديمه إياه، وقيامه بدمه وبذله مهجته (?)، ووعد معاوية عقبة برده إلى ولايته، ولكن الأمر تراخي كما يقول ابن عذارى حتى توفي معاوية وأفضى الأمر إلى يزيد، فرد عقبة والياً على إفريقية (?). وهناك نقطة في هذا الموضوع، وهي الإساءة التي تعرض لها عقبة من أبي المهاجر أثناء عزله فقد ذكرت المصادر أن أبا المهاجر أساء إلى عقبة إساءة بالغة، فقد سجنه وأوقره حديداً (?)، ولا ندري ما الذي حمل أبا المهاجر على هذا؟ قال الدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف في كتابه القيم: ولا ندري ما الذي حمل أبا المهاجر على هذا؟ ويصعب علينا أن نقبل اتهام الدكتور حسين مؤنس لمسلمة بن مخلد، بأنه هو الذي أوعز إلى أبي المهاجر أن يسيء إلى عقبة (?). فهذا اتهام لا يستند إلى دليل، خصوصاً وأن ابن عبد الحكم يقول عن مسلمة حين ولي أبا المهاجر: وأوصاه حين ولاه أن يعزل عقبة بأن يحسن العزل، فخالفه أبو المهاجر، فأساء عزله وسجنه وأوقره حديداً، حتى أتاه كتاب من الخليفة بتخلية سبيله وإشخاصه إليه (?).
ثم يذكر أن مسلمة ركب إلى عقبة حين مر بمصر وترضاه وأقسم له بالله لقد خالفه ما صنع أبا المهاجر وقال له: ولقد أوصيته بك خاصة (?)، ولكن لماذا خالف أبو المهاجر وصية مولاه مسلمة وأساء إلى عقبة، مع أنه هو شخصياً كان يجل عقبة، ويعرف مقامه، وقد جزع عندما دعا عليه عقبة، وقال هذا رجل لا يرد له دعاء، هذا هو السؤال الذي لا نملك عليه جواباً شافياً .. اللهم إلا الاستنتاج الذي أخذ به محمد علي دبوز، وهو أن أبا المهاجر ربما يكون قد أضطر اضطراراً إلى القبض على عقبة وسجنه، لأن عقبة خاشنه ولم