العلماء والقراء والقضاة إلى البلدان فأدوا الأمانة التي حملوها، كما أدى هؤلاء الأمانة في توجيه شئون الأمة فكما لا نلوم خالد بن الوليد على قلة حديثه عن الرسول صلى الله عليه وسلم لانشغاله بالفتوحات، لا نلوم أبا هريرة على كثرة حديثه لانشغاله بالعلم (?)

ـ انصراف أبي هريرة إلى العلم والتعليم،

واحتياج الناس إليه لامتداد عمره، يجعل الموازنة بينه وبين غيره من الصحابة السابقين أو الخلفاء الراشدين غير صحيحة، بل هي خطأ كبير (?)، وكون أبي هريرة رضي الله عنه أكثر رواية من السيدة عائشة رضي الله عنها لأنها كانت تفتي الناس في دارها، وأما أبو هريرة، فقد اتخذ حلقة له في المسجد النبوي، كما كان أكثر احتكاكاً بالناس من السيدة أم المؤمنين عائشة بصفته رجلاً، كثير الغدو والرواح، وأضيف إلى هذا أن السيدة عائشة كان جل همها موجهاً نحو نساء المؤمنين، وكان يتعذر دخول كل إنسان عليها (?). إن نظرة مجردة عن الهوى تدرك أن ما روي عن أبي هريرة من الأحاديث لا يثير العجب والدهشة، ولا يحتاج إلى هذا الشغب الذي اصطنعه أهل الأهواء وأعداء السنن، وإن ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء أسمعه منه أم من الصحابة لا يشك فيه لقصر صحبته، بل إن صحبته تحتمل أكثر من هذا، لأنها كانت في أعظم سنوات دولة الإسلام دعوة ونشاطاً، وتعليماً وتوجيهاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (?)

ـ كثرة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم فقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين، فعن أبي هريرة قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله، ما حدثت حديث ثم يتلوا: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) (البقرة، آية: 159). إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن أخواننا الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون (?).

ـ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له في الحفظ: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه، قال: أبسط رداءك. فبسطه، قال: فغرف بيديه ثم قال: ضمه. فضممته فما نسيت شيئاً بعده (?)

ـ كثرة تلامذته والناقلين عنه، فكان عدد تلامذته قريباً من ثمانمائة (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015