الفصل الثالث
السياسة الداخلية لمعاوية رضي الله عنه
انعقد إجماع الأمة الإسلامية على خلافة معاوية سنة 41 هـ فأخذ يعمل بكل ما أوتي من ذكاء وفطنة ودهاء على توطيد دعائم الأمن والاستقرار في ربوع العالم الإسلامي، فانتهج سياسة داخلية، تقوم على عدة أمور:
المبحث الأول: الإحسان إلى كبار الشخصيات من شيوخ الصحابة وأبنائهم وبخاصة بنو هاشمفقد خطب مرة في أهل الحجاز بعد توليه الخلافة فاعتذر عن عدم سلوكه طريقة الخلفاء الراشدين قبله، فقال: وأين مثل هؤلاء؟ ومن يقدر على أعمالهم؟ هيهات أن يدرك فضلهم أحد من بعدهم؟ رحمة الله ورضوان الله عليهم، غير أني سلكت بها طريقاً لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك، ولكم فيه مؤاكلة حسنة، ومشاربة جميلة، ما استقامت السيرة وحسنت الطاعة: فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم، والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما قد علمتموه فقد جعلته دبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا مني بعضه .. وإياكم والفتنة فلا تهموا بها فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة، وتورث الاستئصال، استغفر الله لي ولكم (?)، وبمثل هذه السيرة صار خليفة المسلمين وانقاد له أبناء المهاجرين والأنصار، وكل من يعتقد أنه أولى منه بالخلافة، كان رضي الله عنه، يهتم بغزو القلوب والإحسان إليها، مع الوعي والحذر الشديدين أن لا تنتقض الأمة عليه، لقد كان يبذل المال بلا حساب لكبار الشخصيات القيادية في المجتمع ويعتبر أن عليها مسؤوليات ضخمة تجاه رعاياها من أبناء الأمة، فلا بد أن تكون مليئة لسد الخلّة وتلبي الحاجة، وتحلّ المعضلة، ولعل أشراف بني هاشم كانوا في هذا الصدد أكثر قيادات الأمة إغداقاً عليهم بالمال، ولا بدع فهم لايزالون في عرف الناس القيادات الشعبية التي تمثل جماهير الأمة، وتلجأ الأمة إليهم أكثر مما تلجأ إلى الولاة والأمراء، وهذه القيادات لم تشارك في الحكم ولم تكن لها رغبة في ذلك (?).