أحوال رعيتهم وظروف عصرهم، وإن ذلك الأفق العالي والمثل الرفيع الذي قدمه الخلفاء الراشدون للسياسة الإسلامية والإنسانية كان يعمل تأثيره الجذاب عند بعض الخلفاء والرعية على السواء، ولكنه كان أيضاً يستعلي على قدراتهم، فيجهدون أنفسهم لتحقيقه، ثم يعودون إلى جذبة الواقع مقرين بصعوبة المحاولة والتجربة (?)، ولقد سأل معاوية يوماً ولده وولي عهده يزيد كيف سيعمل بعد استخلافه؟ فقال: أعمل فيهم عمل عمر بن الخطاب، فتبسم معاوية وقال: والله لقد جهدت أن أعمل فيها عمل عثمان فلم أقدر، أتعمل أنت فيهم بعمل عمر بن الخطاب (?)؟،
ولا يعني ذلك أن العودة إلى صفا الحياة في عصر الخلفاء الراشدين أمر مستحيل، ولكن لا يأتي به الحاكم وحده وإن صلحت نيته، وعظمت عزيمته، بل لا بد من تحقيق ذلك القدر من التوافق والانسجام بين الراعي والرعية حيث يتعاون الجميع على تحقيق ذلك المجتمع الطيب، وطريق ذلك طويل وشاق ويحتاج إلى أجيال من الدعاة والحكام الذين يبذلون جهدهم لتربية الرعية على كمال الإيمان، ويعطون القدوة في ذلك والمثل، ويستفرغون في ذلك وذاك وقتهم وجهدهم (?)، وقد كان ابن تيمية يعبر عن هذه الحقيقة حين يرى أنه إن ساء الحكم في مجتمع ما كان ذلك لنقص في الراعي والرعية (?) معاً. إن الشورى في عهد معاوية والدولة الأموية تقلصت عمّا كانت عليه في عهد الخلافة الراشدة وبقيت في عهد معاوية بعض جوانبها ولم تتقدم كلياً كما يطرح البعض.
سادساً: حرية التعبير في عهد معاوية رضي الله عنه: المعارضة السلمية كان معاوية رضي الله عنه يفرق بين المعارضة السلمية والمسلحة فهو يطلق حرية الكلام والتعبير عن الرأي ما دام ذلك في حدود التعبير عن الرأي، أما إذا انقلب الأمر إلى حمل السلاح وسلَّ السيوف، فإنه لا يجد مفراً من مواجهة هذه الثورات كما فعل مع الخوارج ـ وسيأتي بيان ذلك بإذن الله تعالى، فقد روي عن معاوية أنه قال: إني لا أحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا (?). وقال عامله على العراق زياد بن أبيه في خطبته لأهل البصرة: إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السلَّ من بغضي لم أكشف له قناعاً ولم