بقسطنطينية, فتكلم بعض أسارى المسلمين, فدنا منه بعض البطارقة (?) , ممن كان واقفاً بين يدي الملك فلطم حرّ وجهه (?) , وكان رجلاً من قريش فصاح: واسلاماه أين أنت عنا يا معاوية إذ أهملتنا وأضعت ثغورنا وحكَّمت العدو في دمائنا وأعراضنا فنمى ذلك الخبر إلى معاوية, فآلمه وامتنع من لذيذ الطعام والشراب, فخلا بنفسه, وامتنع عن الناس ولم يظهر ذلك لأحد من المخلوقين, ثم أعمل الحيلة في إقامة الفداء بين المسلمين والروم, إلى أن فدى ذلك الرجل, ومن أسر معه من المسلمين, فلما صار الرجل إلى دار الإسلام, دعاه معاوية فبره وأحسن إليه ثم قال له: لم نهملك, ولم نضيعك, ولا أبحنا دمك وعرضك ومعاوية أثناء ذلك يدبر الرأى ويعمل الحيلة ثم بعث إلى رجل من ساحل دمشق من مدينة صور, وكان عارفاً كثير الغزوات في البحر صُمكّ (?) من الرجال مرطان بالرومية, فأحضره وخلابه, وأخبره بما قد عزم عليه وسأله إعمال الحيلة فيه, والتأني له, فتوافقا على أن يدفع للرجل مالا عظيماً, ليبتاع به أنواعاً من الطرف والملح والجهاز من الطيب والجوهر وغير ذلك, وأنشأ له مركبا لا يلحق في جريه سرعة, ولا يدرك في سيره, إنشاءً عجيباً, فسار الرجل حتى أتى مدينة قبرص فاتصل برئيسها وأخبره أن معه حاجه للملك, وأنه يريد التجارة إلى القسطنطينية, قاصداً إلى الملك وخواصه بذلك فروسل (?)
الملك بشأنه, فأذن له, فدخل خليج القسطنطينية, فلما وصلها أهدى للملك وجميع بطارقته, وبايعهم وشاراهم, وقصدهم, إلا ذلك البطريق الذي لطم, القرشي, وتأنى الصوري من الأمور على حسب مارسمها له معاوية, وأقبل الرجل من القسطنطينية إلى الشام, وقد أمره أكثر البطارقة أن يبتاع حوائج ذكروها, وأنواعاً من الأمتعة وصفوها, فلما صار إلى الشام سار إلى معاوية سراً, وذكر له من الأمر ما جرى فابتيع له ما طلب منه وما علم أن رغبتهم فيه وتقدم إليه معاوية فقال: إن ذلك البطريق إذا عدت في كرتك هذه سيعذلك عن تخلفك عن بره, واستعانتك به, فاعتذر إليه ولاطفه بالقول والهدايا, واجعله القيم بآمرك, والتفقد لأحوالك تزداد عندهم, فإذا أتقنت جميع ما أمرتك به, وعلمت ما غرض البطريق وإيش الذي يأمرك بابتياعه فعد به إلينا لتكون الحيلة على حسبه, فلما رجع الصوري إلى القسطنطينية ومعه جميع ما طلب منه والزيادة مما لم يطلب زادت منزلته, وارتفعت أحواله عند الملك والبطارقة وسائر الحاشية, فلما كان في بعض الأيام وهو يريد الدخول إلى الملك, قبض عليه ذلك البطريق في دار الملك, وقال له: ما ذنبي إليك؟ وبم استحق غيري أن تقصده, وتقضي حوائجه وتعرض عني, قال الصوري: