سار على نهجهم، وعبقرية البناء الحضاري الصحيح هي التي أبقت صرح الإسلام إلى يومنا هذا بعد توفيق الله وحفظه. إن سيرة عمر بن عبد العزيز تمدنا بالمفهوم الصحيحِ لكلمة الإصلاح، للمفهوم القرآني الأصيل الذي فهمه علماؤنا المصلحون فهمًا صحيحًا وطبّقوه تطبيقا سليماً، لا المفهوم الغربي الحديث الذي تسرّب إلى أذهان بعض المفكرين السياسيين المقلدين للغرب في حقّه وباطله حتى أصبح من المسلم به عند كثير من أبنائنا اليوم أن الثورة أعمّ وأشمل وأعمق من الإصلاح الذي يرادف في الغرب معنى التغيير الخفيف الذي يحدث بتدرج ومن دون عنف، بينما الثورة هي عندهم انقلاب جذري دون تدرّج، عنيف ومفاجئ، وما دروا أن الإصلاح بالمفهوم القرآني الصحيح له معنى أشمل وأعمّ وأكبر من الثورة، فهو دائماً نحو الأحسن والأكمل، بينما الثورة قد تكون من الصالح إلى الفاسد أصلاً، ويتم ذلك بتغيير سلطة بسلطة وحاكم بحاكم (?). إن عمر بن عبد العزيز نموذج إصلاحي لمن يريد السير على منهاج النبوة وعهد الخلافة الراشدة، ولقد أخلص لله تعالى في مشروعه الإصلاحي فتولى الله توفيقه وأطلق ألسنة الناس بمدحه والثناء عليه، قال الشاعر أحمد رفيق المهدوي الليبي: فإذا أحب الله باطن عبده ... ظهرت عليه مواهب الفتاح وإذا صفت لله نية مصلح ... مال العباد عليه بالأرواح هذا وقد تحدثت عن عهد يزيد بن عبد الملك وهشام، وعهد الوليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد، وأشرت إلى أهم أعمال يزيد وهشام، واعتبرت وفاة هشام بداية الانحدار والضعف للدولة الأموية، وتعرضت للدعوة العباسية وجذورها التاريخية ومشروعها الذي قدمته لأتباعها في المرحلة السرية والعلنية وتكلمت عن قيادتها، وهيكلها التنظيمي والبعد التخطيطي وقراءة الواقع عند زعمائها، وفقهها الحركي المستمد من ابن عباس ومتى أعلنت الثورة العباسية؟ وتحدثت عن الخليفة الأموي الأخير مروان بن محمد وجهوده في القضاء على الثورات التي اندلعت في عهده، وعن انتصار العباسيين على الأمويين في معركة الزاب، وأفردت مبحثاً لأسباب سقوط الدولة الأموية وناقشتها من خلال سنن الله في حركة المجتمعات وبناء الدول وسقوطها، ومن الأسباب التي ذكرتها: الثورة المضادة على حركة عمر بن عبد العزيز الإصلاحية، والظلم والترف والانغماس في الشهوات، ونظام ولاية العهد، وتعطيل الخيار الشوري، والثورات ضد النظام الأموي وثورة الحسين بن علي رضي الله عنه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015