2 ـ حرصه على الوقاية من الكذب: قال ميمون بن مهران: دخلت على عمر بن عبد العزيز وعنده عامله على الكوفة، فإذا متغيظ عليه، فقلت: ماله يا أمير المؤمنين قال: أبلغني أنه قال: لا أجد شاهد زور إلا قطعت لسانه: قال: فقلت: يا أمير المؤمنين: إنه لم يكن بفاعل. قال: فقال: أنظروا إلى هذا الشيخ ـ مستنكراً ماقال ميمون ـ إن منزلتين أحسنهما الكذب لمنزلتا سوء (?). والمقصود فإن الكذب أحد منازل السوء وبذلك يسعى عمر إلى قطع دابر الفساد الإداري بالتحذير من الوقاية عما يجر إليه الكذب والتحايل في إتخاذ القرارات (?).
رد على من قال له: ألم يكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقبل الهدية؟ قال بلى، ولكنها لنا ولمن بعدنا رشوة (?)، كما أبطل عمر أخذ الهدايا التي كان الولاة الأمويون يا خذونها وبخاصة هدايا النيروز والمهرجان، وهي هدايا تعطي في مناسبات وأعياد الفرس، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله كتاباً، يقرأ على الناس، يبطل فيه أخذ التوابع والهدايا، التي كانت تؤخذ منهم في النيروز والمهرجان وغيرها من الأثمان والأجور (?)، كما أنذر ولاته وعماله من أن يتخذ أحداً منهم تلبية طلبات الخليفة أو أحد أهله شئ مسلم به، ومن ذلك ماحدث عندما أرسلت فاطمة بنت عبد الملك إلى أبن معدي كرب (?)، تطلب عسلاً من عسل سينين أو لبنان، فبعث إليها، وأيم الله لئن عدت لمثلها، لا تعمل لي عملاً أبداً، ولا أنظر إلى وجهك (?).
فقد إتخذ قرارات تنم على حرص شديد على أموال المسلمين فكان أول إجراء له بعد توليه الخلافة هو إنصرافه عن مظاهر الخلافة، إذ قربت إليه المراكب، فقال ماهذه؟ فقالوا: مراكب لم تركب قط، يركبها الخليفة أول ما يلي فتركها وخرج يلتمس بغلته، وقال: يا مزاحم ـ يعني مولاه ـ ضم هذه إلى بيت مال المسلمين، ونصبت له سرادقات وحجر لم يجلس فيها أحد قط، يجلس فيها الخليفة أول ما يلي، قال يا مزاحم ضم هذه إلى أموال المسلمين، ثم ركب بغلته، وأنصرف إلى الفرش والوطاء الذي لم يجلس عليه أحد قط،