يسترجع ويكثر من الاسترجاع فيقول له ابنه: أمثلك يسترجع على الدنيا؟ فيجيبه بقوله: يا بني لا استرجع إلا على نفسي التي لم أصب بمثلها (?)، وعن أبان بن محبر عن الحسن أنه لما حضره الموت دخل عليه رجال من أصحابه فقالوا له: يا أبا سعيد زودنا منك كلمات تنفعنا بهن. قال: إني مزودكم ثلاث كلمات، ثم قوموا عني ودعوني ولما توجهت له، ما نهيتهم عنه من أمر، فكونوا من أترك الناس له، وما أمرتم به من معروف فكونوا من أعمل الناس به، واعلموا أن خطاكم خطوتان، خطوة لكم وخطوة عليكم، فانظروا أين تغدون وأين تروحون (?). وقبل أن يسلم الحسن روحه أغمى عليه ثم أفاق إفاقة فقال: لقد نبهتموني من جنان وعيون ومقام كريم (?). وفي ليلة الجمعة وفي مستهل رجب سنة عشر ومائة (?)، أسلم الروح إلى بارئها وعاش نحواً من ثمان وثمانين سنة. كما قال ابنه عبد الله (?)، وقبيل وفاته قال رجل لابن سيرين: رأيت كأن طائراً أخذ أحسن حصاة في المسجد فقال: إن صدقت رؤياك مات الحسن، فلم يكن إلا قليلاً حتى مات الحسن (?). وقام بتغسيله تلميذاه: أيوب السختياني، وحميد الطويل، وصلى عليه عقيب الجمعة النضر بن عمر المقري (?)، قال حميد الطويل: توفي الحسن عشية الخميس وأصبحنا يوم الجمعة ففرغنا من أمره وحملناه بعد صلاة الجمعة ودفناه، فتبع الناس كلهم جنازته، واشتغلوا به، فلم تقم صلاة العصر بالجامع، ولا أعلم أنها تركت منذ كان الإسلام إلا يومئذ، لأنهم تبعوا كلهم الجنازة، حتى لم يبق بالمسجد من يصل العصر (?). رحم الله الحسن البصري النموذج الرفيع لورثة الأنبياء والعلماء الربانيين، فقد كان من الرجال العظماء، قلما تجد له مثيلاً زهداً، وورعاً، وعلماً، وحكماً، وشجاعة، وأدباً (?)، وكان من العلماء الذين نشطوا في دولة الفقهاء التي قادها عمر بن عبد العزيز ولم يبخل بوقت ولا نصيحة ولا موعظة ولا توجيه ولا إرشاد.
عندما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كان من أول أعماله إيقاف التوسع في المناطق النائية