يأتيه اليقين، الدنيا يا أمير المؤمنين دار عقوبة، لها يجمع من لا عقل له، وبها يغتر من لا علم عنده، والحازم اللبيب من كان فيها كالمداوي جراحه، يصبر على مرارة الدواء، لما يرجو من العافية، ويخاف من سوء عاقبة الدار والدنيا وأيم الله، يا أمير المؤمنين حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، والعباد في أضغاث أحلام، وإني قائل لك يا أمير المؤمنين ما قال الحكيم:

فإن تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا أخالك ناجيا

ولما وصل كتابه إلى عمر بن عبد العزيز بكى وانتحب حتى رحمه من كان عنده وقال: يرحم الله الحسن فإنه لا يزال يوقظنا من الرقدة، وينبهنا من الغفلة، ولله دره من مشفق ما أنصحه وواعظ ما أصدقه وأفصحه. وكتب إليه عمر بن عبد العزيز: وصلت مواعظك النافعة فاستشفيت بها، ولقد وصفت الدنيا بصفتها، والعاقل من كان فيها على وجل، فكأن كل من كتب عليه الموت من أهلها قد مات والسلام عليك ورحمة الله، وبركاته، فلما وصل كتابه إلى الحسن قال: لله درّ أمير المؤمنين من قائل حق وقابل وعظاً لقد أعظم الله جل ثناؤه بولايته المنة، ورحم بسلطانه الأمة، وجعله بركة ورحمة (?). وكتب إليه: أما بعد: فإن الهول الأعظم، والأمر المطلوب أمامك، ولا بد من مشاهدتك ذلك، إما بنجاة أو بعطب (?).

7 ـ موقفه من الثورات التي حدثت في عهده:

كان يرى أن تغيير الفساد لا يكون بالسيف وإنما يكون بالتوبة والرجوع إلى الله والنصح لأصحاب الأمور وقد قال: وما أعجب أمر من يحاول أن يغير بالسيف، فإن التغيير لا يكون إلا بالتوبة (?) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب الصبر على ما تكرهه منهم: من رأى من أمير شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية (?). ويرى بعد فقهه لهذا الحديث وأمثاله أن تسلط الحكام عقوبة من الله تعالى تحتاج لصبر ويقول: لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يُفرج عنهم، ولكنهم يجزعون إلى السيف فيوكلون إليه فوالله ما جاءوا بيوم خير قطّ (?). وكان موقفه من ثورة ابن الأشعث كما مر معنا وكان يرى أن ولاة الأمور طالما أنهم يقيمون الجمعة والجماعة والفيء، والثغور (?) والحدود، فلا يجوز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015