قَوْلُهُ: «ليَعْقِلَنَّ» يَعْنِي أَنَّ الْحِجَازَ يَكُونُ لَهُ مَعْقِلًا يَلْجَأُ إِلَيْهِ، وَحِصْنًا يَمْتَنِعُ فِيهِ، وَالْعَاقِلُ مِنَ الْأُرْوِيِّ مَا تَحَصَّنَ فِي مَعَاقِلِ الْجِبَالِ، قَالَ النَّابِغَةُ:
وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلِ
وَإِيَّاهُ عَنِّي أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، بِقَوْلِهِ:
وَمَا يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ غُفْرٌ ... بِشَاهِقَةٍ لَهُ أُمٌ رَءُومُ
تَبِيتُ اللَّيْلَ حَانِيَةً عَلَيْهِ ... كَمَا يَخْرَمِّسُ الْإِرْخُ الْأَطُومُ
تُصَدَّيْ كُلَّمَا طَلَعَتْ لِنَشْزٍ ... وَوَدَّتْ أَنَّهَا مِنْهُ عَقِيمُ
وَالْغُفْرُ: وَلَدُ الْوَعْلِ، وَالْإِرْخُ: وَلَدُ الْبَقَرَةِ، وَيَخْرَمِّسُ: يَصْمُتُ، وَالْأُطُومُ: الضَّامُّ بَيْنَ شَفَتَيْهِ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: إِذَا تَكَلَّمَ اخْرَمِّسْ أَيْ: اسْكُتْ، وَكَذَلِكَ أَيْطِمْ أَيْ ضُمَّ بَيْنَ شَفَتَيْكَ، قَالَ: وَالتَّصَدِّي: الصَّفِيرُ، وَكَذَلِكَ الْوَعْلُ إِذَا فَزِعَ صَفَّرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] .
الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ، وَالْمُتَصَدِّي، الْمُتَشَوِّفُ الْمُنْتَصِبُ، وَيُقَالُ لِلْحَصِينِ: الْمَعْقِلُ وَالْعَقْلُ وَجَمْعُهُ الْعُقُولُ: قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَدْ أَعْدَدْتُ لِلْحَدَثَانِ حِصْنًا ... لَوْ أَنَّ الْمَرْءَ تَنْفَعُهُ الْعُقُولُ
طَوِيلَ الرَّأْسِ أَبَيْضَ مُشْمَخِرًا ... يَلُوحُ كَأَنَّهُ سَيْفٌ صَقِيلُ
وَهَذَا الْحَدِيثُ شَبِيهٌ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ.
155 - أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، قَالَ: نا الزُّبَيْرُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى