قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ: إِذَا كَانَتْ إِيَّاهُ بِمَعْنَى مَعَهُ، أَضْمَرُوا هُنَالِكَ فِعْلًا، يَنْصِبُونَ بِهِ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ، وَأَنَا أُضَاجِعُهُ، فَقَامَتْ إِيَّاهُ، مُقَامَ الْهَاءِ، كَقَوْلِهِمْ: جَاءَ الْبَرْدُ وَالطَّيَالِسَةَ، فَنُصِبَتْ عَلَى مَعْنَى، جَاءَ الْبَرْدُ، وَلَبِسَ النَّاسُ الطَّيَالِسَةَ.
وَقَالَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا عُوتِبَتْ فِي شِدَّةِ الْبُكَاءِ عَلَى أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَتْ «مَا تَرَوْنَ أَكْبَادَنَا إِلَّا مِثْلَ أَكْبَادِ الْإِبِلِ» .
وَلِلْعَرَبِ فِي الْإِبِلِ وَجْهَانِ، فَتَارَةً تَصِفُهَا بِالْقَسْوَةِ وَالْجَلَادَةِ، مِنْهَا قَوْلُ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكْرَنَاهُ، وَأَنْشَدَ أَبُو حَاتِمٍ:
سَقْيًا وَرَعْيًا وَإِيمَانًا وَمَغْفِرَةً ... لِلْبَاكِيَاتِ عَلَيْنَا يَوْمَ نَرْتَحِلُ
يُبْكَى عَلَيْنَا وَلَا نَبْكِي عَلَى أَحَدٍ ... أَنَحْنُ أَغْلَظُ أَكْبَادًا أَمِ الْإِبِلُ
قَالَ: وَمَرَّةً تَصِفُهَا بِالرِّقَّةِ وَالْحَنِينِ، فَمِمَّنْ وَصَفَ الْإِبِلَ بِالرِّقَّةِ وَالْحَنِينِ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَمَا وَجْدُ أَظْآرٍ ثَلَاثٍ رَوَائمٍ ... رَأْيَنَ مَجَرًّا مِنْ حُوَارٍ وَمَصْرَعَا
يُذَكِّرْنَّ ذَا الْبَثِّ الْحَزِينَ بِبَثِّهِ ... إِذَا حَنَّتِ الْأُولَى صَدَحْنَ لَهَا مَعَا
بِأَوْجَعَ مِنِّي يَوْمَ فَارَقْتُ مَالِكَا ... وَقَامَ بِهِ النَّاعِي الرَّفِيعُ فَأَسْمَعَا
وَأَنْشَدَنَا إِسْمَاعِيلُ الْأَسَدِيُّ:
وَتَفَرَّقُوا بَعْدَ الْجَمِيعِ لِطِيَّةٍ ... لَابُدَّ أَنْ يَتَفَرَّقَ الْجِيرَانُ
لَا تَصْبِرُ الْإِبِلُ الْجِلَادُ عَلَى الْهَوَى ... حَتَّى تَحِنَّ وَيَصْبِرُ الْإِنْسَانُ