مشروعية الختان في الكبر

سادساً: أخرج البخاري في كتاب الاستئذان: (باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط).

عن ابن عباس (سُئِل: مثل من أنت حين قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا يومئذ مختون)، فلو لم يكن الختان معروفاً عند العرب وعند المسلمين وعند الأوائل وفي القرون الخيرية لما قال ابن عباس: أنا يومئذ مختون.

قال: (وكانوا لا يختنون الرجل حتى يُدرك)، أي: حتى يبلغ.

وقد ورد أن إبراهيم عليه السلام ختن ولده إسماعيل عليه السلام وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام، هذا الأثر والحديث أخرجه البيهقي وغيره.

وهذا يدل على أن وقت الختان ثلاثة: وقت اختيار، ووقت استحباب، ووقت وجوب.

فوقت الاختيار أول يوم من الولادة، فلو أن المولّدة أو الطبيبة ختنت الولد مع ولادته جاز هذا وإن كان بعض أهل العلم -وخاصة الأطباء- بيّنوا خطورة هذا الأمر؛ لأن الجلطات لم تتكون بعد عند المولود، ولا يتكون الدم الذي يُجلّط ويسد هذه الشعيرات إلا بعد أسبوع من الولادة، ولذلك قالوا: وقت الاستحباب هو وقت السابع، وقد ختن إبراهيم ولده في اليوم السابع.

وأما ابن عباس وإسماعيل عليه السلام فقد خُتنا في سن الثالثة عشرة، وهذا وقت الوجوب، مع جواز ختان الكبير إن قوي على ذلك وقدر عليه، كما في حديث أم المهاجر، وأي: إنسان دخل في الإسلام ولم يكن قد خُتن فإن قدر على الختان وجب عليه، وإن لم يقدر عليه فليس إلى ختانه من سبيل ولا بأس بتركه؛ لأن أهل العلم بوّبوا باباً لمسقطات الختان.

قالوا: لا تحتاج المرأة إلى ختان لكونها عليلة أي: فيها علة، فلو خُتنت ماتت.

قالوا: وربما تكون البنت في بلاد باردة فلا تحتاج إلى ختان بخلاف البلاد الحارة فإنها في الغالب تحتاج إلى ختان، وقالوا: ربما تكون البنت هزيلة البدن، ويكون عضوها صغيراً فلا يحتاج إلى الأخذ منه؛ لأنه ليس فيه زيادة؛ ولذلك سألت بعض الطبيبات وبعض الأطباء، بل قد سألت بعض الأطباء النصارى: هل يحتاج كل مخلوق إلى الختان؟ قالوا: لا، فمن البنات من تحتاج، ومنهن من لا تحتاج، وأيضاً في مصر هذا باعتبار الحر؛ لأن الأمر يختلف من طبيعة البنت عن طبيعة بنت أخرى، وقد ذهبت عدة مرات مع بعض أصدقائي لختان بناتهم، فقالت الطبيبة: هذه تختن وهذه لا تُختن، وقد اختارت إحدى الطبيبات ذات مرة الصغرى للختان، والكبرى قالت: لا تحتاج إلى ختان، والإسلام لم يأمر بختان جميع البنات وإنما بختان من تحتاج إلى ختان، هذا يُفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (أشمي ولا تنهكي) أي: خذي القدر الزائد، فإذا لم يكن هناك قدر زائد فلا يستحب أخذ القدر الموجود، وإلا أدى إلى المفاسد التي ذكرناها.

وكان ابن عباس يشدد في وجوب الختان فيقول: الأقلف -أي: الرجل الذي لم يُختن- لا تجوز شهادته، ولا تؤكل ذبيحته، ولا تُقبل صلاته.

وسُئل الحسن البصري عن الغلام يُختن يوم سابعه، فكرهه خلافاً لليهود، أي: أن اليهود يختنون أبناءهم في السن السابعة، فيكون الختان في أي يوم غير اليوم السابع مخالفة لليهود، ولكن النص يرد عليه.

وسُئل زيد بن أسلم عن خفض الجارية: إلى متى يؤخر؟ قال: إلى ثمان سنين.

لأن هذا الجزء وهذا العضو في البنت أو في الجارية لا يظهر طوله ونموه إلا في سن متأخرة مثل (8) أو (10) أو (12)؛ ولذلك يستحب للرجل أن يعرض ابنته على طبيبة في سن السابعة أو الثامنة، فإذا قررت الطبيبة أنها لا تحتاج إلى ختان يعرضها على الطبيبة في سن العاشرة من عمرها، وفي سن الثانية عشرة، وقد حدثتني طبيبة أنها أجرت عملية الختان لامرأة مع الولادة، أي: أن المرأة قد تزوجت، فالدكتورة رأت هذا العضو طويلاً فأجرت عملية الولادة مع عملية الختان في وقت واحد، وهو ألم واحد.

فالشاهد من هذا أن المرأة لا تُختن إلا إذا احتاجت إلى الختان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015