وقال كعب: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية -أي: من مكان مرتفع- حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه، ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا، فقال: سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة)، هذا الدعاء الطويل أنه كان يسأل ويلح على ربه أن يعطيه ثلاثاً، فأذن الله في اثنتين ومنع واحدة، قال: (سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة)، أي: بالقحط والفقر والجوع والجدب (فأعطانيها)، وأنتم تعلمون الآن أن الأمة تغط في النعيم غطاً، وينقصها الحمد على أية حال، والله لو أراد الله عز وجل أن يعاملنا بأعمالنا لقذفنا في النار ولا يبالي، فإن الأمة الآن ليس عندها من المؤهلات ما يدخلها الجنة، غير أن ذلك محض فضل الله عز وجل، أما القلوب فإنها أسود من السواد، والعمل أقل من القليل.
قال: (وسألت ربي ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألت ربي ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها).
أي: سأل ربه أن الأمة لا يحارب بعضها البعض، ولا يقتل بعضها البعض، ولا يعادي بعضها البعض، فأبى الله عز وجل أن يعطي ذلك لنبيه، وهذا يدل على أن بأس الأمة بينها الآن.
إننا في ظل حكم الإنجليز كنا أفضل ملايين المرات من حكمنا بالحديد والنار الآن، لم نر دولة في العالم تُحكم بقانون الطوارئ خمسين عاماً، أي إسلام هذا؟ وأي دين هذا؟ وأي فجور في الادعاء بأن هذا إسلام؟ وأنهم يحبون القرآن ويحبون السنة ويعملون بها؟! عجيب! الكلام كثير جداً، لكن إغلاق صدر الإنسان لا يجعله ينطلق؛ لأن الانطلاقة ربما تؤدي إلى الانتحار أو الهلاك.
وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض -أي: جمعها وأظهرها في رقعة حتى نظر إليها النبي عليه الصلاة والسلام- فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أُهلكهم بسنة عامة، وألا أُسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً).
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.