مناقب موسى عليه السلام

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الرسول المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأصلي وأسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وأهل بيته إلى يوم الدين.

أما بعد: جاء في مناقب موسى عليه السلام أنه كان رجلاً حيياً، مهذب الخلق، أرسل في قوم لا حياء لهم، ولا خلق لهم كما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى بعض، وهذا الخلق موجود إلى الآن في حمامات السباحة، وفي شواطئ البحار والأنهار والترع وغيرها، خاصة في الريف، فإن الناس يتجردون من ملابسهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، فهذا الخلق إنما هو خلق اليهود لا أخلاق المسلمين، فكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى عليه السلام رجلاً حيياً يغتسل وحده، وفي هذا جواز الاغتسال عرياناً في الأماكن البعيدة عن الأنظار، والأولى ستر العورة؛ لأن الله تعالى أحق أن يستحيا منه، فقال بنو إسرائيل لما رأوا موسى عليه السلام يغتسل وحده ويبتعد عنهم: إنه آدر.

أي: به عيب خلقي، وهو أنه عظيم الخصيتين.

وقيل: (آدِر)، ومن هنا تأتي خطورة قولك لعبد القادر: يا عبد الآدِر؛ لأن الآدر عيب، والله تعالى لا يتسمى باسم فيه عيب، بل هو المتصف بالكمال والجلال والمسمى بالأسماء الحسنى سبحانه، فلا بد من قولك ونداءك لعبد القادر يا عبد القادر، يا عبد الخالق، وليس (يا عبد الخالئ!) بالهمز، هذا خطأ عظيم جداً في الاعتقاد وفي جناب المولى عز وجل، بل لا بد من نداء العبد الذي انتسب إلى الله في التسمية بما سمى الله تبارك وتعالى به نفسه، نحو: يا عبد الخالق، يا عبد القادر، وغير ذلك.

قالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فذهب موسى مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر) يعني: على عادة من ينزل البحر فإنه يخلع ثوبه ويجعله على حجر أو على الشط ثم ينزل الماء، قال: (ففر الحجر بثوبه) أي: بثوب موسى عليه السلام، (فجنح موسى خلفه) أي: فأسرع موسى خلف الحجر.

(ويقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر.

ويضربه بالعصا حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى) لأن موسى ظل يجري خلف الحجر حتى دخل في ملأ وفي جمع من بني إسرائيل، فرأوا موسى على هذا النحو دون أن يقصد موسى أن يظهر عورته، ولكنه انشغل بالجري والإسراع خلف الحجر ليأخذ ثوبه وملابسه، وإلا فكيف يفعل موسى حينئذ؟ (قالوا: والله ما بموسى من بأس) أي: لما رأوه.

انظروا إلى سفالة ووقاحة اليهود أنهم يسبون ويتهمون ويعيبون نبيهم، ثم لما رأوه رأي العين قالوا: والله ما به من بأس، ولذلك قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب:69]، فهذه تزكية الله تعالى لموسى: (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا).

قال: (فأخذ موسى وطفق بالحجر ضرباً وقال أبو هريرة: إن بالحجر ندباً -أي: أثر الضرب- ستة أو سبعة)، فبقي أثر الضرب على الحجر إلى زمن الصحابة حتى رأوها عليه، ليعتبر من اعتبر، وإن شئت فقل: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42].

وفي هذا الحديث معجزتين لموسى عليه السلام: أن الحجر مشى بثوبه حتى وصل إلى بني إسرائيل، وإظهار براءة موسى أمام قومه وملئه، وهذا ليس فيه كبير ما ينكر، وليس فيه غضاضة، فإن الحجر سلم على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وإن الجذع الذي كان يقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين يخطب الناس، فلما صنع للنبي صلى الله عليه وسلم منبر ووقف عليه كان الجذع بجواره، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوقوف بجوار الجذع ووقف على المنبر بكى الجذع، حتى سمع له صوت وبكاء، فليس بغريب أن يأتي هذا من الحجر بموسى عليه السلام.

وهذا الحديث فيه: إظهار ما ابتلي به الأنبياء والصالحون من أذى السفهاء والجهال وصبرهم على ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل) ويقول: (إن الله ليبتلي عبده بالبلاء فإذا كان في دينه صلابة زيد له في البلاء حتى يمشي في الأرض وليس عليه خطيئة).

فالبلاء منحة من الله عز وجل، إن كان عندك ذنب غفره، وإن لم يكن رفعت لك بهذا البلاء درجات، فالابتلاء إما تكفير للسيئات وإما رفع للدرجات.

وما نزل من البلاء بالأنبياء فله حكم آخر، منها: رفع الدرجات حتى يكونوا في أعلى عليين، في جنة عرضها السماوات والأرض، ومنها: أن الله تبارك وتعالى يبتلي الأنبياء حتى يكونوا قدوة لمن وقع به البلاء ممن أتى بعدهم من أممهم فيصبروا كما صبر أنبياؤهم، وغير ذلك من الحكم العظيمة.

وآخر فائدة أ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015