قبل الجواب عن هذا السؤال نقول: إنه قد وردت ثلاث آيات في كتاب الله فيما يتعلق بمهمة قبض الروح، الله تبارك وتعالى يقول: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة:11]، هذه الآية تقضي بأن ملك الموت هو الذي يميت ويقبض الأرواح من الأبدان، وهذا لا خلاف عليه بل هو مستقر معلوم في أذهان العامة فضلاً عن أهل العلم، فإذا قبضها سلمها إلى رسل آخرين ليصعدوا بها إلى الله عز وجل، ولذلك هذا تأويل الآية الثانية: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61]، (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) أي: كانوا في انتظار عند رأسه في حال الاحتضار، فالذي يتولى نزع الروح هو ملك الموت، ثم الذي يتولى استلام الروح من ملك الموت هم هؤلاء الرسل، فيصنعون بها ما أمرهم الله عز وجل به، فإذا كان صاحب هذه الروح من أهل الجنة فإنهم ينتظرون عند رأسه ومعهم حنوط من حنوط الجنة، وكفن من أكفان الجنة، فيلفون تلك الروح في حنوط الجنة وكفن الجنة، فيصعدون بها حتى يبلغوا بها السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي هذا في عليين، ثم أعيدوه إلى الأرض.
فتعاد الروح إلى الأرض وقد قبر الميت ودفن جسده فتركب فيه الروح، فيقام ويقعد ويسأله منكر ونكير، وهو حي حياة برزخية تليق بالبرزخ، فيسأل: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وديني هو الإسلام، فينيمانه نومة العروس، ويفتح له في قبره حتى يكون مد بصره ويكون له روضة من رياض الجنة.
وإذا كان صاحب هذه الروح من أهل النار فإنهم يكون معهم حنوط من حنوط النار، وكفن من أكفان النار، فيلفون هذه الروح في هذا الحنوط وفي هذا الكفن، فإذا أرادوا أن يصعدوا بها أغلقت السماء دونها، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجيل، أي: في أسفل سافلين، فتعاد الروح إلى البدن، فيسأل في قبره: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: هاه.
هاه هاه.
كأنه لا يدري ما يقول؛ لأنه لم يكن عاملاً بمقتضى هذه الأسئلة في الدنيا، فلا بد أن يشقى بها في حياته الدنيوية وفي برزخه وبين يدي الله عز وجل.
والآية الثالثة تقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42].
فالمتوفي حقيقة هو الله عز وجل؛ لأنه الآمر لملك الموت بقبض الروح فينسب الفعل إليه، كما لو أن فلاناً انتصر في غزوة كذا، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم انتصر في غزوة بدر مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن في غزوة بدر وحده، ولكنه لما كان القائد الأعلى والآمر بهذه الغزوة ينسب النصر إليه، فالله عز وجل -ولله المثل الأعلى- لما كان هو الآمر لملك الموت بقبض الروح نسبت الوفاة إليه فكان هو المتوفي في الحقيقة، وهذا تأويل قول الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42]، فلا إشكال حينئذ بين هذه الآيات الثلاث، حتى لا يقول قائل: لقد وقعت على اختلاف وتضاد في كلام الله عز وجل! ف
صلى الله عليه وسلم { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، فلما كان من عند الله يقيناً دل هذا على أنه ليس فيه اختلاف البتة، والله تعالى قادر على أن يهلك أعداءه، قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:1]، أي: يزيد في خلق الأجنحة للملائكة ما يشاء، (والنبي عليه الصلاة والسلام رأى جبريل عليه السلام على صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق) وقد جاء في رواية: (أن جناحاً واحداً يسد الأفق) يعني: لو أراد ناظر أن ينظر إلى السماء ما رأى من السماء شيئاً، لا نجماً ولا قمراً ولا شمساً ولا ضباباً ولا غيماً؛ بسبب جناح واحد من أجنحة ملك واحد، فما بالكم بملك قد ركب فيه ستمائة جناح، من يقوى عليه؟! والله تعالى خلق ملكاً واحداً ووكله بالجبال فهو يحفظها بأمر الله، وأنتم تعلمون أن ملك الجبال أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: (لو شئت يا محمد لأطبقت عليهم الأخشبين)، أي: لهدمت عليهم الجبلين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعل الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من يعبده) وفي رواية: (من يوحده).
فالنبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم وكان بإمكانه أن يأمر ملك الجبال فيأتي بعاليها على سافلها، وبسافلها على عاليها، ولكنه عفا وأصلح.
فالملائكة غلاظ شداد، لا يقوى على أحدهم موسى عليه السلام، ولكن الملاحدة أبوا إلا أن يرفعوا عقيرتهم في هذا الزمان لأنه لا حارس، من أراد أن يطعن في الله فليتفضل! ومن أراد أن يطعن في الرسول فليفعل! وم