الكريم، إذن هي شيء غير القرآن الكريم بدلالة العطف، ثم هذه الآيات التي أشرنا إليها يكمل معناها بآية أخرى، ولذلك هذا الدليل الذي هو إثبات أن السنة وحي من خلال هذه الآيات إنما أيضًا يكمل بعضها بعضًا، أشرنا إلى أربع آيات في البقرة وآل عمران والأحزاب والجمعة، كلها تبين أن من مهام النبي -صلى الله عليه وسل م- أن يعلم الأمة الكتاب والحكمة، وأن الحكمة بالضرورة هي غير الكتاب لأنها عطفت على الكتاب، والعطف يقتضي المغايرة.
ننتقل إلى آية النساء {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} (النساء: 113) ثم قال الله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (النساء: 113) فالحكمة والكتاب كلاهما نازل من عند الله تعالى.
الآيات التي قرأناها: في البقرة، وفي آل عمران، وفي الأحزاب، وفي الجمعة أثبتنا من خلالها أن الحكمة غير الكتاب بدلالة العطف الذي يقتضي المغايرة، ثم أضفنا آية النساء التي أضافت معنى جديدًا، وقد بينت أن الحكمة نازلة من عند الله -تبارك وتعالى- كالكتاب تمامًا الذي هو القرآن.
لو اقتصرنا على الآيات الأربع التي أشرنا إليها من غير آية النساء ربما قال قائل: الحكمة غير الكتاب، لا بأس، لكنها ليست من عند الله تعالى، تأتي آية النساء لتوضح في جلاء لا يقبل الجدل أن الحكمة وحي من عند الله -تبارك وتعالى- لأن الله -وتعالى- قال {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (النساء: 113) إذن مجموع هذه الآيات أثبت أن الحكمة غير الكتاب، وأن الحكمة نازلة من عند الله -تبارك وتعالى- كما نزل الكتاب الكريم، أي كما جاء القرآن الكريم تمامًا.