وانظر كلمة "أمرا" جاءت بالنكرة؛ لتشمل كل الأمور، في أمور الدنيا، في أمور الآخرة، في أمور الاعتقاد، في أمور الشريعة، في أمور العبادات، أي أمر من الأمور قضى الله فيه، وقضى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالقضاء لله تعالى، ولنبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك ختمت الآية بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب: 36).

وختام الآية عجيب، ونحن نعلم من علم البلاغة أن ختام كل آية متعلق بمضمونها، مرتبط بها، وهذا هو التذييل عند علماء البلاغة، تذييل الآية يكون مرتبطا بمضمونها، فلا يمكن أن تختم الآية بختام أو تذيل بذيل لا يتناسب مع مضمون الآية، قصة الأعرابية التي سمعت القارئ يقرأ، ولم تكن تحفظ القرآن: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (المائدة: 38) والله غفور رحيم، قالت للقارئ: كذبت؛ لو رحم ما قطع. المرأة بسليقتها البلاغية، بقريحتها الأدبية فهمت أن ختام الآية لا يلتقي مع مضمونها، كيف يتكلم عن قطع، والقطع عقوبة شديدة، ثم تختم الآية بالرحمة؟ لا، إنما الآية فيها عقاب، فختمت ب ـ {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة: 38)، عزيز غالب، يفعل ما يشاء، وكل أحكامه لحكمة حتى وإن خفيت عن البعض.

إذًا، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب: 36) إنما جاءت لتبين أن ورود الاختيار على ذهن مؤمن هو معصية، حتى لو انتهى في نهاية الأمر إلى اختيار حكم الله تعالى، وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم- الأوقات حتى لو كانت لحظات، هذه اللحظات التي قضاها في التردد والاختيار أيطبق هذا أو ذاك، هي لحظات مخالفة للإيمان؛ لذلك كانت معصية شديدة، وختم الله الآية بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب: 36) عصمنا الله تعالى من الضلال، ومن الزلل، ومن عدم الفهم لديننا، ومن المعصية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015