العظيمة، يبسط سيادته على مساحات شاسعة، واستعمل الشعوب المغلوبة على أمرها آراءه الجديدة، وتأثرت حياة المسلمين وأفكارهم حينذاك في كثير من النواحي بآراء النصرانية والإسرائيلية وحدها، بل وبغيرها مثل البوذية وغيرها.
هذه المسألة رددنا عليها في الدرس قبل الماضي، حين استكملنا كلام المستشرقين وفكرة الشبهة أنه قد حدث تطور في حياة المسلمين، وهذا التطور ألجأهم إلى أن يضعوا أحاديث تواكب هذا التطور في الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
ها هو صاحب كتاب (الأضواء القرآنية) يردد هذا الكلام ويقبله، ويعقب عليه، ويقول: وما قاله المستشرقون هو حق أرادوا به باطل، يعني: هو أقرهم أن الأحاديث الموضوعة تناولت الأحكام، كالحلال والحرام والطهارة، وأحكام الطعام والشريعة وآداب السلوك إلى آخره.
ومع مضي الزمن ازداد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم- من قول وفعل شيئًا فشيئًا، وغزوات إلى آخره. كلامه هنا طويل، لكنه يقبل أنه قد حدث تطور في حياة الأمة أدى إلى أن العلماء الكبار يضعون أحاديثًا تتوافق مع هذا التطور.
هل يخدعنا قوله: "إن المستشرقين أرادوا بهذا الكلام ... ". قد رردنا عليه وفندناه، وبينا حتى هذا اليوم لا يقبل أحد من المسلمين، حتى لو كان رقيق الدين، أن يضع حديثًا يؤيد به أمرًا جديدًا جاء في حياة الناس.
لا يمكن أمر جاءنا من شرق أو من غرب أو من هنا أو هنا نضع له حديثًا، هذه لم تحدث في العصور المتأخرة، بل قلت في ردنا: إن المجتمعات التي دخلت في الإسلام هي التي طورت -إن جاز التعبير- حياتها؛ لتتواءم مع الإسلام، فغيرت عاداتها وتقاليدها ونظمها الاجتماعية وأخلاقها وأعرافها ... إلى آخره، وأصبحت تستمد ذلك كله من القرآن الكريم، ومن السنة المطهرة، ويشهد على ذلك واقعُ المسلمين، وقلنا: حتى عادتهم في الطعام كانت واحدة.