الاستغراب المعالجة له بمزيد من العلم، الأمر الذي تستغربه أدرسه علميًّا وشاور فيه أهل الاختصاص، وانظر مدى إمكانية وقوعه، أو هل العلم يؤيده؟ هل الواقع يؤيده أو هل العقول تقبله؟ أما أن تبني رفضك له على استغرابك له، فهذا ما لم يقل به أحد من قبل.
ولذلك ننتهي إلى أن الحديث صحيح، وأن الأمة قد أجمعت عليه، وأن أحدًا من علمائنا الأثبات القدامى الذين نظروا في السنة ومَنحوا الإجماع لـ (صحيح البخاري) و (مسلم) لم يتوقفوا مع هذا الحديث، بل تلقوه بالقبول، ولا تجد رواية واحدة أعلت هذا الحديث بأي نوع من أنواع العلل.
يقولون: كيف ألهم الله الذباب من وجوه قولهم: أنه يتعارض مع العقل، كيف الهم الله الذباب أن ينزل بالجناح الذي فيه الداء؟! هل له إدراك وأنه يحمل في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء؟! وكيف ينزل بالجناح الذي فيه الداء؟ وهل الذباب عاقل حتى يدرك ذلك كله؟!
نقول: ما دام الكلام بالعقل -كما يقولون-: هناك مخلوقات كثيرة فيها نفس القضية أو غيرها، مثلًا الحية مليئة بالسم وفيها الترياق أيضًا، النحل فيه السم وفيه العسل، كل ذلك يعرفه أهل العلم، النملة تحمل الحَبّة وهي تحملها تخرقها، لكي لا تنبت؛ حتى تستطيع أن تحتفظ بها، يعني: عشرات المخلوقات التي ليست من أصحاب العقول بالمستوى الذي نتصوره في العقل تصدرُ عنها أفعال عاقلة، بل في قمة النضج، بل مليئة بالحكمة.
فهذا كله ثابت بالأدلة، ثابت بالواقع العملي الذي نراه، كل الحيوانات التي تتقي الخطر عن نفسها؛ لأن هناك فطرة فطر الله المخلوقات كلها عليها، ليس شرطًا أن يدرس المخلوق من الحيوانات في جامعة علمية، أو أن يدخل إلى المعامل التجريبية، إنما هناك فطرة فطَر الله تعالى الخلق جميعًا عليها، ومن هؤلاء الخلق