العلماء المخلصون الجادون لا يستطيع أحد أبدًا أن يضع حديثًا، بل هم الذين تصدوا -كما ذكرنا- للوضّاعين ووضحوا أمرهم وغيّروا زيفهم ... إلى آخره، العلماء لا يستطيع أحد أبدًا أن يأتي بنص من عنده أو أن يصادر النص الأصلي الذي جاءه من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة، ومثلًا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- له كتاب طيب جدًّا اسمه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وأيضًا البيهقي له (اختلاف العلماء) وهكذا، كلهم يذكرون الأسباب التي بسببها اختلف العلماء، منها أن الدليل قد لا يصل إليهم، ومنها أنه قد ينسى، يعني: الصحابة أنفسهم على شدة معايشتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- إما أنه بعض الأدلة لم تصل إليهم.
هل نتصور أن كل صحابي قد أحاط بكل أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ هذا مستحيل، عندنا روايات تدل على أن بعض الأحكام قد فاتتهم، في قضية الاستئذان وميراث الجدة وغيرها، ولكن أحدًا أبدًا لم يحتَج إلى وضع أحاديث لا نتيجة التطور ولا غير التطور، ولا يوجد واحد من علماء الأمة -صغر أو كبر- يقبل ذلك، وحكّام الأمة الذين يحاولون أن يشوهوا صورتهم، لا نجد رواية واحدة تبيّن أن واحدًا من الحكام الأمويين أو العباسيين، واشتم في أحدهم ما شئت، ولا نوافقك لكن افترض، لكنك أبدًا لن تستطيع أن تأتي بدليل تبين أن هذا الخليفة مثلًا، قد أمر بوضع حديث أو حتى قبِلَ بحديث وُضِع له من غير أمرٍ منه.
وعندنا المهدي في قصة الحمام، لما كان يحب اللعب بالحمام، فواحد من الوضاعين قال: "لا سبق إلا في نصل أو حافر أو حمام"، قال: والله أشهد أن قفاك هذا قفا كذاب، بل إن المهدي ترك اللعب بالحمام بعد هذه الحادثة، التي فهم منها أن ذلك قد يدفع بعض الوضّاعين إلى مجاملة الحاكم في ذلك، أما أن الحاكم قد أمر أو رضي، فلم تجدًا أبدًا دليلًا على هذا.
حتى النصوص التي احتكموا إليها أو التي استشهد بها المستشرقون ومَن شايعهم